اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 88
85- وقد يقتل اليهودي اليهودي من الفريق الآخر- وهذا حرام عليهم بنص ميثاق الله معهم- وكانوا يخرجونهم من ديارهم إذا غلب فريقهم وينهبون أموالهم ويأخذون سباياهم- وهذا حرام عليهم بنص ميثاق الله معهم- ثم إذا وضعت الحرب أوزارها فادوا الأسارى، وفكوا أسر المأسورين من اليهود هنا أو هناك، عندهم أو عند حلفائهم أو أعداء حلفائهم على السواء- وذلك عملاً بحكم التوراة وقد جاء فيها: إنك لا تجد مملوكاً من بني إسرائيل إلا أخذته فأعتقته..
هذا التناقض هو الذي يواجههم به القرآن وهو يسألهم في استنكار:
«أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ؟» ..
وهذا هو نقض الميثاق الذي يتهددهم عليه بالخزي في الحياة الدنيا، والعذاب الأشد في الآخرة. مع التهديد الخفي بأن الله ليس غافلاً عنه ولا متجاوزاً:
«فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ. وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» ..
86- ثم يلتفت إلى المسلمين وإلى البشرية جميعاً، وهو يعلن حقيقتهم وحقيقة عملهم:
«أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ. فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ» ..
وكذبوا إذن في دعواهم أن لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة.. فهؤلاء هم هناك: «فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ» ..
وقصة شرائهم الحياة الدنيا بالآخرة هنا في هذه المناسبة: هي أن الدافع لهم على مخالفة ميثاقهم مع الله، هو استمساكهم بميثاقهم مع المشركين في حلف يقتضي مخالفة دينهم وكتابهم. فإن انقسامهم فريقين، وانضمامهم إلى حلفين، هي هي خطة إسرائيل التقليدية، في إمساك العصا من الوسط والانضمام إلى المعسكرات المتطاحنة كلها من باب الاحتياط، لتحقيق بعض المغانم على أية حال وضمان صوالح اليهود في النهاية سواء انتصر هذا المعسكر أم ذاك! وهي خطة من لا يثق بالله، ولا يستمسك بميثاقه، ويجعل اعتماده كله على الدهاء، ومواثيق الأرض، والاستنصار بالعباد لا برب العباد. والإيمان يحرم على أهله الدخول في حلف يناقض ميثاقهم مع ربهم، ويناقض تكاليف شريعتهم، باسم المصلحة أو الوقاية، فلا مصلحة إلا في اتباع دينهم، ولا وقاية إلا بحفظ عهدهم مع ربهم.
87- ثم يمضي السياق يواجه بني إسرائيل بمواقفهم تجاه النبوات وتجاه الأنبياء.. أنبيائهم هم، وما كان من سوء صنيعهم معهم كلما جاءوهم بالحق، الذي لا يخضع للأهواء..
«وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ، وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ. أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ، فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ، وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ؟» ..
ولقد كانت حجة بني إسرائيل في إعراضهم عن الإسلام، وإبائهم الدخول فيه، أن عندهم الكفاية من تعاليم أنبيائهم، وأنهم ماضون على شريعتهم ووصاياهم.. فهنا يفضحهم القرآن ويكشف عن حقيقة موقفهم من أنبيائهم وشرائعهم ووصاياهم. ويثبت أنهم هم هم كلما واجهوا الحق، الذي لا يخضع لأهوائهم.
وفيما تقدم واجههم بالكثير من مواقفهم مع نبيهم موسى- عليه السلام- وقد آتاه الله الكتاب. ويزيد هنا
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 88