responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 596
بالارتكان إلى شريعة الله. لأن هذا الحق هو مقتضى الألوهية والربوبية. ومظهرها البارز المحدد لخصائصها المميزة.
وأما إن تكن الألوهية أو الربوبية لأحد من خلق الله- شركة مع الله أو أصالة من دونه! - فهي الدينونة من العباد لغير الله. وهي العبودية من الناس لغير الله. وهي الطاعة من البشر لغير الله. وذلك بالاتباع للمناهج والأنظمة والشرائع والقيم والموازين، التي يضعها ناس من البشر، لا يستندون في وضعها إلى كتاب الله وسلطانه إنما يستندون إلى أسناد أخرى، يستمدون منها السلطان.. ومن ثم فلا دين، ولا إيمان، ولا إسلام.
إنما هو الشرك والكفر والفسوق والعصيان..
هذا هو الأمر في جملته وفي حقيقته.. ومن ثم يستوي أن يكون الخروج على حدود الله في أمر واحد، أو في الشريعة كلها.. لأن الأمر الواحد هو الدين- على ذلك المعنى- والشريعة كلها هي الدين.. فالعبرة بالقاعدة التي تستند إليها أوضاع الناس.. أهي إخلاص الألوهية والربوبية لله- بكل خصائصها- أو إشراك أحد من خلقه معه. أو استقلال خلقه دونه بالألوهية والربوبية بعضهم على بعض. مهما ادعوا لأنفسهم من الدخول في الدين! ومهما رددت ألسنتهم- دون واقعهم- أنهم مسلمون! هذه هي الحقيقة الكبيرة، التي يشير إليها هذا التعقيب، الذي يربط بين توزيع أنصبة من التركة على الورثة، وبين طاعة الله ورسوله، أو معصية الله ورسوله. وبين جنة تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونار خالدة وعذاب مهين! وهذه هي الحقيقة الكبيرة، التي تتكئ عليها نصوص كثيرة، في هذه السورة، وتعرضها عرضاً صريحاً حاسماً، لا يقبل المماحكة، ولا يقبل التأويل.
وهذه هي الحقيقة التي ينبغي أن يتبينها الذين ينسبون أنفسهم إلى الإسلام في هذه الأرض ليروا أين هم من هذا الإسلام، وأين حياتهم من هذا الدين! ثم لا بد كذلك من إضافة كلمة مجملة عن نظام الإرث في الإسلام بعد ما ذكرناه عن هذا النظام عند ما تعرضنا للآية التي تقرر المبدأ العام: «لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ» .. وما ذكرناه كذلك عن مبدأ: «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» ..
إن هذا النظام في التوريث هو النظام العادل المتناسق مع الفطرة ابتداء ومع واقعيات الحياة العائلية والإنسانية في كل حال. يبدو هذا واضحاً حين نوازنه بأي نظام آخر، عرفته البشرية في جاهليتها القديمة، أو جاهليتها الحديثة، في أية بقعة من بقاع الأرض على الإطلاق.
إنه نظام يراعي معنى التكافل العائلي كاملاً، ويوزع الأنصبة على قدر واجب كل فرد في الأسرة في هذا التكافل. فعصبة الميت هم أولى من يرثه- بعد أصحاب الفروض كالوالد والوالدة- لأنهم هم كذلك أقرب من يتكفل به، ومن يؤدي عنه في الديات والمغارم. فهو نظام متناسق، ومتكامل.
وهو نظام يراعي أصل تكوين الأسرة البشرية من نفس واحدة. فلا يحرم امرأة ولا صغيراً لمجرد أنه امرأة أو صغير. لأنه مع رعايته للمصالح العملية- كما بينا في الفقرة الأولى- يرعى كذلك مبدأ الوحدة في النفس الواحدة. فلا يميز جنساً على جنس إلا بقدر أعبائه في التكافل العائلي والاجتماعي.

اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 596
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست