responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 570
وتتمحض لله فلا تخلع خاصية من خواصها على أحد من عباده ولا يدين بها الناس لأحد من عبيده.. ومن هذه الحرية تنطلق الفضائل كلها، وتنطلق الأخلاقيات كلها، لأن مرجعها جميعا إلى ابتغاء رضوان الله، ومرتقاها ممتد إلى التحلي بأخلاق الله، وهي مبرأة إذن من النفاق والرياء، والتطلع إلى غير وجه الله.. وهذا هو الأصل الكبير في أخلاقية الإسلام، وفي فضائل المجتمع المسلم..
ثم ترد بعض مفردات العنصر الأخلاقي- إلى جانب ذلك الأصل الكبير- في السورة.. فهو مجتمع يقوم على الأمانة. والعدل. وعدم أكل الأموال بالباطل. وعدم النجوى والتآمر إلا في معروف. وعدم الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. والشفاعة الحسنة. والتحية الحسنة. ومنع الفاحشة. وتحريم السفاح والمخادنة.
وعدم الاختيال والفخر، والرياء والبخل، والحسد والغل.. كما يقوم على التكافل والتعاون والتناصح والتسامح، والنخوة والنجدة، وطاعة القيادة التي لها وحدها حق الطاعة.. إلخ.
وقد سبق ذكر معظم النصوص التي تشير إلى هذه الأسس.. وسيرد تفصيلها عند استعراضها في موضعها من السياق.. فنكتفي هنا بالإشارة إلى الحادث الفذ، الذي يشير إلى القمة السامقة، التي تتطلع إليها أنظار الإنسانية، وتظل تتطلع، ولا تبلغ إليها أبدا- كما لم تبلغ إليها قط- إلا في ظل هذا المنهج الفريد العجيب:
.. في الوقت الذي كانت يهود تكيد ذلك الكيد الجاهد للإسلام ونبيه، وللصف المسلم وقيادته.. كان القرآن يصنع الأمة المسلمة على عين الله، فيرتفع بتصوراتها وأخلاقها، ونظامها وإجراءاتها إلى القمة السامقة..
وكان يعالج حادثا يتعلق بيهودي فرد، هذا العلاج الذي سنذكره..
كان الله يأمر الأمة المسلمة بالأمانة المطلقة، وبالعدل المطلق «بَيْنَ النَّاسِ» .. الناس على اختلاف أجناسهم وعقائدهم، وقومياتهم وأوطانهم.. كان يقول لهم: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها، وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ. إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ! إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً» .. (آية 58) ..
وكان يقول لهم: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ، وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما. فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا، وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً» ..
ثم.. كانت الآيات ذوات العدد من القرآن تتنزل لإنصاف يهودي.. فرد.. من اتهام ظالم، وجهته إليه عصبة من المسلمين من الأنصار، ممن لم ترسخ في قلوبهم هذه المبادئ السامقة بعد، ولم تخلص نفوسهم من رواسب الجاهلية كل الخلوص. فدفعتهم عصبية الدم والعشيرة إلى تبرئة أحدهم باتهام هذا اليهودي! والتواطؤ على اتهامه، والشهادة ضده- في حادث سرقة درع- أمام النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى كاد أن يقضي عليه بحد السرقة، ويبرئ الفاعل الأصلي! تنزلت هذه الآيات ذوات العدد، فيها عتاب شديد للنبي- صلى الله عليه وسلم- وفيها إنحاء باللائمة على العصبة من أهل المدينة الذين آووا النبي- صلى الله عليه وسلم- وعزروه ونصروه.. إنصافا ليهودي، من تلك الفئة التي تؤذي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أشد الإيذاء، وتنصب لدعوته، وتكيد له وللمسلمين هذا الكيد اللئيم! وفيها تهديد وإنذار لمن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرمي به بريئا. وفيها- من ثم- تلك النقلة العجيبة، إلى تلك القمة السامقة، وتلك الإشارة الوضيئة إلى ذلك المرتقى الصاعد.
لقد تنزلت هذه الآيات كلها في حادث ذلك اليهودي.. من يهود..

اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 570
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست