اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 568
الرسالات ولا غريبة من الغرائب، التي لا عهد للأرض بها أو لا عهد بها لبني إسرائيل أنفسهم. إنما هي حلقة من سلسلة الحجة التي يأخذها الله على العباد قبل الحساب. فقد أوحى إليه كما أوحى إلى الرسل من قبله.
وقد آتاه الله النبوة والحكم، كما آتى أنبياء بني إسرائيل! فلا غرابة في رسالته، ولا غرابة في قيادته، ولا غرابة في حاكميته. وكلها مألوف في عالم الرسالات. وكل تعلات بني إسرائيل في هذا الأمر كاذبة، وكل شبهاتهم كذلك باطلة. ولهم سوابق مثلها مع نبيهم الأكبر موسى عليه السلام، ومع أنبيائهم من بعده، وبخاصة مع عيسى عليه السلام، ومن ثم لا يجوز أن يلقي باله إليها أحد من المسلمين.
وتتولى آيات كثيرة في السورة بيان هذه الحقيقة. نقتطف بعضها في هذا المجمل حتى تجيء كلها مشروحة في مكانها من السياق:
«إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ. وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ، وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً. وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ، وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً. رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً. لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ، أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ. وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ. وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً» .. (163- 166) ..
«يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ، فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً» .. «فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ، وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ» .. «وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً. وَقَوْلِهِمْ: إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ- رَسُولَ اللَّهِ- وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ..»
(153- 157) .
«أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ؟ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ..» .. (54- 55) ..
وكما تتولى السورة نصيبها من تنظيم المجتمع المسلم وتطهيره من رواسب الجاهلية وبيان معنى الدين، وحد الإيمان، وشرط الإسلام وترتب على هذا البيان مقتضياته من المبادئ والتوجيهات التي أسلفنا بيانها بصفة عامة وتتولى دفع شبهات اليهود وكيدهم- وبخاصة فيما يتعلق بصحة الرسالة- فهي كذلك تتولى بيان بعض مقومات التصور الإسلامي الأساسية، وتجلو عنها الغبش. وتبين ما في عقيدة أهل الكتاب- من النصارى- من غلو، بعد دفع المقولات اليهودية الكاذبة عن عيسى عليه السلام وأمه الطاهرة، وتقرر وحدة الألوهية وحقيقة العبودية، وتبين حقيقة قدر الله وعلاقته بخلقه، وحقيقة الأجل وعلاقته بقدر الله، وحدود ما يغفره الله من الذنوب، وحدود التوبة وحقيقتها، وقواعد العمل والجزاء ... إلى آخر هذه المقومات الاعتقادية الأصيلة.
وذلك في مثل هذه النصوص:
«إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ. فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً. وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ، حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ: إِنِّي تُبْتُ الْآنَ! وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ. أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً» .. (17- 18) .
«يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ، وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ، وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً. يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ، وَخُلِقَ الْإِنْسانُ
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 568