اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 541
كله، لأنها تستيقن منه أنها ماضية في الطريق التي وصفها الله لها من قبل. وتستيقن أن الصبر والتقوى هما زاد الطريق. ويبطل عندها الكيد والبلبلة ويصغر عندها الابتلاء والأذى وتمضي في طريقها الموعود، إلى الأمل المنشود.. في صبر وفي تقوى.. وفي عزم أكيد..
187- ثم يمضي السياق القرآني يفضح موقف أهل الكتاب في مخالفتهم عن عهد الله معهم يوم آتاهم الكتاب.
ونبذهم له. وكتمانهم لما ائتمنهم عليه منه، حين يسألون عنه:
«وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ: لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ. فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ، وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا. فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ» ! وقد تضمن سياق السورة الكثير من أفاعيل أهل الكتاب وأقاويلهم- وبخاصة اليهود- وأبرز هذه الأفاعيل والأقاويل كتمانهم للحق الذي يعلمونه، ولبسه بالباطل، لإحداث البلبلة والاضطراب في مفهوم الدين، وفي صحة الإسلام، وفي وحدة الأسس والمبادئ بينه وبين الأديان قبله، وفي تصديقه لها وتصديقها له.. وكانت التوراة بين أيديهم يعلمون منها أن ما جاء به محمد حق وأنه من ذات المصدر الذي جاءتهم منه التوراة..
فالآن يبدو هذا الموقف منهم بشعاً غاية البشاعة حين ينكشف أيضاً أن الله- سبحانه- قد أخذ عليهم العهد- وهو يعطيهم الكتاب- أن يبينوه للناس، ويبلغوه، ولا يكتموه أو يخفوه. وأنهم نبذوا هذا العهد مع الله- والتعبير يجسم إهمالهم وإخلافهم للعهد فيمثله في حركة:
«فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ» ! وأنهم فعلوا هذه الفعلة الفاضحة، ابتغاء ثمن قليل:
«وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا» .
هو عرض من أعراض هذه الأرض، ومصلحة شخصية للأحبار أو قومية لليهود! وكله ثمن قليل، ولو كان ملك الأرض كلها طوال الدهور! فما أقل هذا الثمن ثمناً لعهد الله! وما أقل هذا المتاع متاعاً حين يقاس بما عند الله! «فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ» ! 188- وقد ورد في رواية للبخاري- بإسناده- عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل اليهود عن شيء، فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم ما سألهم عنه. وأنه في هذا نزلت آية:
«لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا، وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا، فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ..
وفي رواية أخرى للبخاري- بإسناده- عن أبي سعيد الخدري، أن رجالاً من المنافقين في عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كانوا إذا خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الغزو تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإذا قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا. فنزلت: «لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 541