اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 533
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ، وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» .
كما أن المزاولة العملية للمبادئ النظرية تتجلى في تصرف الرسول- صلى الله عليه وسلم- عند ما رفض أن يعود إلى الشورى بعد العزم على الرأي المعين، واعتباره هذا تردداً وأرجحة. وذلك لصيانة مبدأ الشورى ذاته، من أن يصبح وسيلة للتأرجح الدائم، والشلل الحركي. فقال قولته التربوية المأثورة: «ما كان لنبي أن يضع لأمته حتى يحكم الله له» .. ثم جاء التوجيه الإلهي الأخير: «فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» .. فتطابق- في المنهج- التوجيه والتنفيذ..
6- وهناك حقيقة أخيرة نتعلمها من التعقيب القرآني على مواقف الجماعة المسلمة التي صاحبت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والتي تمثل أكرم رجال هذه الأمة على الله.. وهي حقيقة نافعة لنا في طريقنا إلى استئناف حياة إسلامية بعون الله..
إن منهج الله ثابت، وقيمه وموازينه ثابتة، والبشر يبعدون أو يقربون من هذا المنهج، ويخطئون ويصيبون في قواعد التصور وقواعد السلوك. ولكن ليس شيء من أخطائهم محسوباً على المنهج، ولا مغيرا لقيمه وموازينه الثابتة.
وحين يخطئ البشر في التصور أو السلوك، فإنه يصفهم بالخطأ. وحين ينحرفون عنه فإنه يصفهم بالانحراف.
ولا يتغاضى عن خطئهم وانحرافهم- مهما تكن منازلهم وأقدارهم- ولا ينحرف هو ليجاري انحرافهم! ونتعلم نحن من هذا، أن تبرئة الأشخاص لا تساوي تشويه المنهج! وأنه من الخير للأمة المسلمة أن تبقى مبادئ منهجها سليمة ناصعة قاطعة، وأن يوصف المخطئون والمنحرفون عنها بالوصف الذي يستحقونه- أياً كانوا- وألا تبرر أخطاؤهم وانحرافاتهم أبداً، بتحريف المنهج، وتبديل قيمه وموازينه. فهذا التحريف والتبديل أخطر على الإسلام من وصف كبار الشخصيات المسلمة بالخطأ أو الانحراف.. فالمنهج أكبر وأبقى من الأشخاص. والواقع التاريخي للإسلام ليس هو كل فعل وكل وضع صنعه المسلمون في تاريخهم. وإنما هو كل فعل وكل وضع صنعوه موافقاً تمام الموافقة للمنهج ومبادئه وقيمه الثابتة.. وإلا فهو خطأ أو انحراف لا يحسب على الإسلام، وعلى تاريخ الإسلام إنما يحسب على أصحابه وحدهم، ويوصف أصحابه بالوصف الذي يستحقونه: من خطأ أو انحراف أو خروج على الإسلام.. إن تاريخ «الإسلام» ليس هو تاريخ «المسلمين» ولو كانوا مسلمين بالاسم أو باللسان! إن تاريخ «الإسلام» هو تاريخ التطبيق الحقيقي للإسلام، في تصورات الناس وسلوكهم، وفي أوضاع حياتهم، ونظام مجتمعاتهم.. فالإسلام محور ثابت، تدور حوله حياة الناس في إطار ثابت. فإذا هم خرجوا عن هذا الإطار، أو إذا هم تركوا ذلك المحور بتاتاً، فما للإسلام وما لهم يومئذ؟ وما لتصرفاتهم وأعمالهم هذه تحسب على الإسلام، أو يفسر بها الإسلام؟ بل ما لهم هم يوصفون بأنهم مسلمون إذا خرجوا على منهج الإسلام، وأبوا تطبيقه في حياتهم، وهم إنما كانوا مسلمين لأنهم يطبقون هذا المنهج في حياتهم، لا لأن أسماءهم أسماء مسلمين، ولا لأنهم يقولون بأفواههم: إنهم مسلمون؟! وهذا ما أراد الله- سبحانه- أن يعلمه للأمة المسلمة، وهو يكشف أخطاء الجماعة المسلمة، ويسجل عليها النقص والضعف، ثم يرحمها بعد ذلك ويعفو عنها، ويعفيها من جرائر النقص والضعف في حسابه. وإن يكن أذاقها جرائر هذا النقص والضعف في ساحة الابتلاء!
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 533