responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 524
التناسق، ومن صلاحية للحياة والناس..
أجل كان الإيمان مبذولاً لهم، فباعوه واشتروا به الكفر، على علم وعن بينة، ومن هنا استحقوا أن يتركهم الله يسارعون في الكفر، ليستنفدوا رصيدهم كله، ولا يستبقوا لهم حظاً من ثواب الآخرة. ومن هنا كذلك كانوا أضعف من أن يضروا الله شيئاً. فهم في ضلالة كاملة ليس معهم من الحق شيء. ولم ينزل الله بالضلالة سلطاناً ولم يجعل في الباطل قوة. فهم أضعف من أن يضروا أولياء الله ودعوته، بهذه القوة الضئيلة الهزيلة، مهما انتفشت، ومهما أوقعت بالمؤمنين من أذى وقتي إلى حين! «وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ..
أشد إيلاماً- بما لا يقاس- مما يملكون إيقاعه بالمؤمنين من آلام! 178- «وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ. إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً. وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ» ..
وفي هذه الآية يصل السياق إلى العقدة التي تحيك في بعض الصدور، والشبهة التي تجول في بعض القلوب، والعتاب الذي تجيش به بعض الأرواح، وهي ترى أعداء الله وأعداء الحق، متروكين لا يأخذهم العذاب، ممتعين في ظاهر الأمر، بالقوة والسلطة والمال والجاه! مما يوقع الفتنة في قلوبهم وفي قلوب الناس من حولهم ومما يجعل ضعاف الإيمان يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يحسبون أن الله- حاشاه- يرضى عن الباطل والشر والجحود والطغيان، فيملي له ويرخي له العنان! أو يحسبون أن الله- سبحانه- لا يتدخل في المعركة بين الحق والباطل، فيدع للباطل أن يحطم الحق، ولا يتدخل لنصرته! أو يحسبون أن هذا الباطل حق، وإلا فلم تركه الله ينمو ويكبر ويغلب؟! أو يحسبون أن من شأن الباطل أن يغلب على الحق في هذه الأرض، وأن ليس من شأن الحق أن ينتصر! ثم.. يدع المبطلين الظلمة الطغاة المفسدين، يلجون في عتوهم، ويسارعون في كفرهم، ويلجون في طغيانهم، ويظنون أن الأمر قد استقام لهم، وأن ليس هنالك من قوة تقوى على الوقوف في وجههم!!! وهذا كله وهم باطل، وظن بالله غير الحق، والأمر ليس كذلك. وها هو ذا الله سبحانه وتعالى يحذر الذين كفروا أن يظنوا هذا الظن.. إنه إذا كان الله لا يأخذهم بكفرهم الذي يسارعون فيه، وإذا كان يعطيهم حظاً في الدنيا يستمتعون به ويلهون فيه.. إذا كان الله يأخذهم بهذا الابتلاء، فإنما هي الفتنة وإنما هو الكيد المتين، وإنما هو الاستدراج البعيد:
«وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ.. إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً» ! ولو كانوا يستحقون أن يخرجهم الله من غمرة النعمة، بالابتلاء الموقظ، لابتلاهم.. ولكنه لا يريد بهم خيراً، وقد اشتروا الكفر بالإيمان، وسارعوا في الكفر واجتهدوا فيه! فلم يعودوا يستحقون أن يوقظهم الله من هذه الغمرة- غمرة النعمة والسلطان- بالابتلاء! «وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ» ..
والإهانة هي المقابل لما هم فيه من مقام ومكانة ونعماء.
وهكذا يتكشف أن الابتلاء من الله نعمة لا تصيب إلا من يريد له الله به الخير. فإذا أصابت أولياءه، فإنما تصيبهم لخير يريده الله لهم- ولو وقع الابتلاء مترتباً على تصرفات هؤلاء الأولياء- فهناك الحكمة المغيبة والتدبير اللطيف، وفضل الله على أوليائه المؤمنين.

اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 524
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست