responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 343
في الأرض كالبهيمة تأكل وتستمتع كما تأكل الأنعام وتستمتع. وقد تنطح وترفس كالبهيمة، أو تفترس وتنهش كالوحش وتزاول الطغيان والجبروت والبغي والبطش، وتنشر الفساد في الأرض.. ثم تمضي ملعونة من الله ملعونة من الناس! والمجتمعات المحرومة من تلك النعمة مجتمعات بائسة- ولو غرقت في الرغد المادي- خاوية- ولو تراكم فيها الإنتاج- قلقة- ولو توافرت لها الحريات والأمن والسلام الخارجي- وأمامنا في أمم الأرض شواهد على هذه الظاهرة لا ينكرها إلا مراوغ يتنكر للحس والعيان! والمؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله، يتوجهون إلى ربهم بالطاعة والتسليم، ويعرفون أنهم صائرون إليه، فيطلبون مغفرته من التقصير:
«وَقالُوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا، غُفْرانَكَ رَبَّنا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» .
ويتجلى في هذه الكلمات أثر الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله. يتجلى في السمع والطاعة، السمع لكل ما جاءهم من عند الله، والطاعة لكل ما أمر به الله. فهو إفراد الله بالسيادة كما ذكرنا من قبل، والتلقي منه في كل أمر. فلا إسلام بلا طاعة لأمر الله، وإنفاذ لنهجه في الحياة. ولا إيمان حيث يعرض الناس عن أمر الله في الكبيرة والصغيرة من شؤون حياتهم أو حيث لا ينفذون شريعته، أو حيث يتلقون تصوراتهم عن الخلق والسلوك والاجتماع والاقتصاد والسياسة من مصدر غير مصدره. فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل.
ومع السمع والطاعة.. الشعور بالتقصير والعجز عن توفية آلاء الله حق شكرها وفرائض الله حق أدائها.
والالتجاء إلى رحمة الله لتتدارك تقصيرهم وعجزهم بسماحتها:
«غُفْرانَكَ رَبَّنا» ..
ولكن طلب الغفران إنما يجيء بعد تقديم الاستسلام وإعلان السمع والطاعة ابتداء بلا عناد أو نكران..
وإنما يعقبه كذلك اليقين بأن المصير إلى الله. المصير إليه في الدنيا والآخرة. المصير إليه في كل أمر وكل
غد بظهر الغيب واليوم لي ... وكم يخيب الظن في المقبل
ولست بالغافل حتى أرى ... جمال دنياي ولا أجتلي
سمعت في حلمي صوتا أصاب ... ما فتق النوم كمام الشباب
أفق فإن النوم صنو الردى ... واشرب فمثواك فراش التراب
سأنتحي الموت حثيث الورود ... ويمحي اسمي من سجل الوجود
هات اسقنيها يا منى خاطري ... فغاية الأيام طول الهجود
ويقول الجامعة بن داود في «العهد القديم» :
باطل الأباطيل. الكل باطل. ما الفائدة للإنسان من كل تعبه الذي يتعبه تحت الشمس؟ دور يمضي ودور يجيء. والأرض قائمة إلى الأبد. الشمس تشرق والشمس تغرب، وتسرع إلى موضعها حيث تشرق. الريح تذهب إلى الجنوب، وتدور إلى الشمال. تذهب دائرة دورانا، وإلى مداراتها ترجع. كل الأنهار تجري إلى البحر والبحر ليس بملآن. إلى المكان الذي جرت منه الأنهار، إلى هناك تذهب راجعة. كل الكلام يقصر، ولا يستطيع الإنسان أن يخبر بالكل. العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلى من السمع. ما كان فهو يكون، والذي صنع فهو الذي يصنع. فليس تحت الشمس جديد. إن وجد شيء يقال له: انظر، هذا جديد، فهو منذ زمان كان في الدهور التي كانت قبلنا. ليس ذكر للأولين. والآخرون أيضا الذين سيكونون لا يكون لهم ذكر عند الذين يكونون بعدهم..» .

اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 343
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست