responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 335
هذا هو المبدأ العام الذي يريد تقريره. فالكتابة أمر مفروض بالنص، غير متروك للاختيار في حالة الدين إلى أجل. لحكمة سيأتي بيانها في نهاية النص.
«وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ» ..
وهذا تعيين للشخص الذي يقوم بكتابة الدين فهو كاتب. وليس أحد المتعاقدين. وحكمة استدعاء ثالث- ليس أحد الطرفين في التعاقد- هي الاحتياط والحيدة المطلقة. وهذا الكاتب مأمور أن يكتب بالعدل، فلا يميل مع أحد الطرفين، ولا ينقص أو يزيد في النصوص..
«وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ» ..
فالتكليف هنا من الله- بالقياس إلى الكاتب- كي لا يتأخر ولا يأبى ولا يثقل العمل على نفسه، فتلك فريضة من الله بنص التشريع، حسابه فيها على الله. وهي وفاء لفضل الله عليه إذ علمه كيف يكتب.. «فَلْيَكْتُبْ كما علمه الله.
وهنا يكون الشارع قد انتهى من تقرير مبدأ الكتابة في الدين إلى أجل. ومن تعيين من يتولى الكتابة. ومن تكليفه بأن يكتب. ومع التكليف ذلك التذكير اللطيف بنعمة الله عليه، وذلك الإيحاء بأن يلتزم العدل..
وهنا ينتقل إلى فقرة تالية يبين فيها كيف يكتب..
«وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ. وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً. فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ» ..
إن المدين- الذي عليه الحق- هو الذي يملي على الكاتب اعترافه بالدين، ومقدار الدين، وشرطه وأجله..
ذلك خيفة أن يقع الغبن على المدين لو أملى الدائن، فزاد في الدين، أو قرب الأجل، أو ذكر شروطاً معينة في مصلحته. والمدين في موقف ضعيف قد لا يملك معه إعلان المعارضة رغبة في إتمام الصفقة لحاجته إليها، فيقع عليه الغبن. فإذا كان المدين هو الذي يملي لم يمل إلا ما يريد الارتباط به عن طيب خاطر. ثم ليكون إقراره بالدين أقوى وأثبت، وهو الذي يملي.. وفي الوقت ذاته يناشد ضمير المدين- وهو يملي- أن يتقي الله ربه ولا يبخس شيئاً من الدين الذي يقر به ولا من سائر أركان الإقرار الأخرى.. فإن كان المدين سفيهاً لا يحسن تدبير أموره. أو ضعيفاً- أي صغيراً أو ضعيف العقل- أو لا يستطيع أن يمل هو إما لعي أو جهل أو آفة في لسانه أو لأي سبب من الأسباب المختلفة الحسية أو العقلية.. فليملل ولي أمره القيم عليه.. «بِالْعَدْلِ» ..
والعدل يذكر هنا لزيادة الدقة. فربما تهاون الولي- ولو قليلاً- لأن الدين لا يخصه شخصياً. كي تتوافر الضمانات كلها لسلامة التعاقد.
وبهذا ينتهي الكلام عن الكتابة من جميع نواحيها، فينتقل الشارع إلى نقطة أخرى في العقد، نقطة الشهادة:
«وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ. فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ- مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ- أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى» ..
إنه لا بد من شاهدين على العقد- «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» - والرضى يشمل معنيين: الأول أن يكون الشاهدان عدلين مرضيين في الجماعة. والثاني أن يرضى بشهادتهما طرفا التعاقد.. ولكن ظروفاً معينة قد لا تجعل وجود شاهدين أمراً ميسوراً. فهنا ييسر التشريع فيستدعي النساء للشهادة، وهو إنما دعا الرجال لأنهم هم الذين يزاولون الأعمال عادة في المجتمع المسلم السوي، الذي لا تحتاج المرأة فيه أن تعمل لتعيش، فتجور

اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 335
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست