responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 293
ذهنياً أياً كان. لنقل مثلاً: الله ولي الذين آمنوا يهديهم إلى الإيمان. والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يقودونهم إلى الكفران.. إن التعبير يموت بين أيدينا، ويفقد ما فيه من حرارة وحركة وإيقاع [1] !.
وإلى جانب التعبير المصور الحي الموحي نلتقي بدقة التعبير عن الحقيقة:
«اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ» ..
إن الإيمان نور.. نور واحد في طبيعته وحقيقته.. وإن الكفر ظلمات.. ظلمات متعددة متنوعة. ولكنها كلها ظلمات.
وما من حقيقة أصدق ولا أدق من التعبير عن الإيمان بالنور، والتعبير عن الكفر بالظلمة.
إن الإيمان نور يشرق به كيان المؤمن أول ما ينبثق في ضميره. تشرق به روحه فتشف وتصفو وتشع من حولها نوراً ووضاءة ووضوحاً.. نور يكشف حقائق الأشياء وحقائق القيم وحقائق التصورات، فيراها قلب المؤمن واضحة بغير غبش، بينة بغير لبس، مستقرة في مواضعها بغير أرجحة فيأخذ منها ما يأخذ ويدع منها ما يدع في هوادة وطمأنينة وثقة وقرار لا أرجحة فيه.. نور يكشف الطريق إلى الناموس الكوني فيطابق المؤمن بين حركته وحركة الناموس الكوني من حوله ومن خلاله ويمضي في طريقه إلى الله هيناً ليناً لا يعتسف ولا يصطدم بالنتوءات، ولا يخبط هنا وهناك. فالطريق في فطرته مكشوف معروف.
وهو نور واحد يهدي إلى طريق واحد. فأما ضلال الكفر فظلمات شتى منوعة.. ظلمة الهوى والشهوة.
وظلمة الشرود والتيه. وظلمة الكبر والطغيان. وظلمة الضعف والذلة. وظلمة الرياء والنفاق. وظلمة الطمع والسعر. وظلمة الشك والقلق ... وظلمات شتى لا يأخذها الحصر تتجمع كلها عند الشرود عن طريق الله، والتلقي من غير الله، والاحتكام لغير منهج الله.. وما يترك الإنسان نور الله الواحد الذي لا يتعدد. نور الحق الواحد الذي لا يتلبس. حتى يدخل في الظلمات من شتى الأنواع وشتى الأصناف.. وكلها ظلمات..!
والعاقبة هي اللائقة بأصحاب الظلمات:
«أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» .. وإذ لم يهتدوا بالنور، فليخلدوا إذن في النار! إن الحق واحد لا يتعدد والضلال ألوان وأنماط.. فماذا بعد الحق إلا الضلال؟
وقبل أن ننتقل من هذا الدرس يحسن أن نقول كلمة عن قاعدة: «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ» إلى جوار فرضية الجهاد في الإسلام، والمواقع التي خاضها الإسلام. وقوله تعالى في آية سابقة: «وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ» ..
إن بعض المغرضين من أعداء الإسلام يرمونه بالتناقض فيزعمون أنه فرض بالسيف، في الوقت الذي قرر فيه: أن لا إكراه في الدين.. أما بعضهم الآخر فيتظاهر بأنه يدفع عن الإسلام هذه التهمة وهو يحاول في خبث أن يخمد في حس المسلم روح الجهاد ويهون من شأن هذه الأداة في تاريخ الإسلام وفي قيامه وانتشاره.
ويوحي إلى المسلمين- بطريق ملتوية ناعمة ماكرة- أن لا ضرورة اليوم أو غدا للاستعانة بهذه الأداة!

[1] يراجع بتوسع فصل: «طريقة القرآن» في كتاب: «التصوير الفني في القرآن» .. «دار الشروق» .
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 293
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست