responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 281
إن هذه الطبائع الخاصة الموصولة بناموس الوجود صلة مباشرة، هي التي تملك أن ترسم للبشرية اتجاهها الشامل. اتجاهها الذي يتسق مع فطرة الكون وقوانينه الثابتة وناموسه المطرد. هي التي تتلقى مباشرة وحي الله.
فلا تخطىء ولا تضل، ولا تكذب ولا تكتم. ولا تحجبها عوامل الزمان والمكان عن الحقيقة لأنها تتلقى هذه الحقيقة عن الله، الذي لا زمان عنده ولا مكان.
ولقد شاءت الإرادة العليا أن تبعث بالرسل بين الحين والحين، لتصل البشرية بالحقيقة المطلقة، التي ما كانت ملاحظتهم وتجربتهم لتبلغ إلى طرف منها إلا بعد مئات القرون. وما كانت لتبلغ إليها كلها أبداً على مدار القرون.
وقيمة هذا الاتصال هي استقامة خطاهم مع خطى الكون واستقامة حركاتهم مع حركة الكون واستقامة فطرتهم مع فطرة الكون.
ومن ثم كان هنالك مصدر واحد يتلقى منه البشر التصور الصادق الكامل الشامل لحقيقة الوجود كله ولحقيقة الوجود الإنساني. ولغاية الوجود كله وغاية الوجود الإنساني. ومن هذا التصور يمكن أن ينبثق المنهج الوحيد الصحيح القويم، الذي يتطابق مع حقيقة تصميم الكون وحقيقة حركته، وحقيقة اتجاهه. ويدخل به الناس في السلم كافة. السلم مع هذا الكون، والسلم مع فطرتهم وهي من فطرة هذا الكون، والسلم مع بعضهم البعض في سعيهم ونشاطهم ونموهم ورقيهم المهيأ لهم في هذه الحياة الدنيا.
مصدر واحد هو مصدر الرسالات، وما عداه ضلال وباطل، لأنه لا يتلقى عن ذلك المصدر الوحيد الواصل الموصول.
إن وسائل المعرفة الأخرى المتاحة للإنسان، معطاة له بقدر. ليكشف بها بعض ظواهر الكون وبعض قوانينه وبعض طاقاته. بالقدر اللازم له في النهوض بعبء الخلافة في الأرض، وتنمية الحياة وتطويرها. وقد يصل في هذا المجال إلى آماد بعيدة جداً. ولكن هذه الآماد لا تبلغ به أبداً إلى محيط الحقيقة المطلقة التي هو في حاجة إليها ليكيف حياته- لا وفق الأحوال والظروف الطارئة المتجددة فحسب، ولكن وفق القوانين الكونية الثابتة المطردة التي قام عليها الوجود، ووفق الغاية الكبرى للوجود الإنساني كله. هذه الغاية التي يراها خالق الإنسان المتعالي عن ملابسات الزمان والمكان. ولا يراها الإنسان المحدود المتأثر بملابسات الزمان والمكان.
إن الذي يضع خطة الرحلة للطريق كله، هو الذي يدرك الطريق كله. والإنسان محجوب عن رؤية هذا الطريق. بل هو محجوب عن اللحظة التالية. ودونه ودونها ستر مسبل لا يباح لبشر أن يطلع وراءه! فأنى للإنسان أن يضع الخطة لقطع الطريق المجهول؟! إنه إما الخبط والضلال والشرود. وإما العودة إلى المنهج المستمد من خالق الوجود. منهج الرسالات. ومنهج الرسل. ومنهج الفطر الموصولة بالوجود وخالق الوجود.
ولقد مضت الرسالات واحدة إثر واحدة، تأخذ بيد البشرية وتمضي بها صعداً في الطريق على هدى وعلى نور. والبشرية تشرد من هنا وتشرد من هناك وتحيد عن النهج، وتغفل حداء الرائد وتنحرف فترة ريثما يبعث إليها رائد جديد.
وفي كل مرة تتكشف لها الحقيقة الواحدة في صور مترقية تناسب تجاربها المتجددة حتى إذا كانت الرسالة الأخيرة كان عهد الرشد العقلي قد أشرق. فجاءت الرسالة الأخيرة تخاطب العقل البشري بكليات الحقيقة

اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 281
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست