اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 278
أول ما يواجهنا في هذا الدرس هو ذلك التعبير الخاص عن الرسل:
«تِلْكَ الرُّسُلُ» ..
لم يقل: هؤلاء الرسل. إنما استهل الحديث عنهم بهذا التعبير الخاص، الذي يشتمل على إيحاء قوي واضح.
يحسن أن نقول عنه كلمة قبل المضي في مواجهة نصوص الدرس كله.
«تِلْكَ الرُّسُلُ» ..
إنهم جماعة خاصة. ذات طبيعة خاصة. وإن كانوا بشراً من البشر.. فمن هم؟ ما الرسالة؟ ما طبيعتها؟
كيف تتم؟ لماذا كان هؤلاء وحدهم رسلاً؟ وبماذا؟
أسئلة طالما أشفقت أن أبحث لها عن جواب! إن حسي ليفعم بمشاعر ومعان لا أجد لها كفاء من العبارات! ولكن لا بد من تقريب المشاعر والمعاني بالعبارات! إن لهذا الوجود الذي نعيش فيه، والذي نحن قطعة منه سنناً أصيلة يقوم عليها. هذه السنن هي القوانين الكونية التي أودعها الله هذا الكون ليسير على وفقها، ويتحرك بموجبها، ويعمل بمقتضاها.
والإنسان يكشف عن أطراف من هذه القوانين كلما ارتقى في سلم المعرفة. يكشف عنها- أو يكشف له عنها- بمقدار يناسب إدراكه المحدود، المعطى له بالقدر الذي يلزم لنهوضه بمهمة الخلافة في الأرض، في أمد محدود.
ويعتمد الإنسان في معرفة هذه الأطراف من القوانين الكونية على وسيلتين أساسيتين- بالقياس إليه- هما الملاحظة والتجربة. وهما وسيلتان جزئيتان في طبيعتهما، وغير نهائيتين ولا مطلقتين في نتائجهما. ولكنهما تقودان أحيانا إلى أطراف من القوانين الكلية في آماد متطاولة من الزمان.. ثم يظل هذا الكشف جزئياً غير نهائي ولا مطلق لأن سر التناسق بين تلك القوانين كلها. سر الناموس الذي ينسق بين القوانين جميعها. هذا السر يظل خافياً، لا تهتدي إليه الملاحظة الجزئية النسبية، مهما طالت الآماد.. إن الزمن ليس هو العنصر النهائي في هذا المجال. إنما هو الحد المقدور للإنسان ذاته، بحكم تكوينه، وبحكم دوره في الوجود. وهو دور جزئي ونسبي. ثم تجيء كذلك نسبية الزمن الممنوح للجنس البشري كله على وجه الأرض وهو بدوره جزئي ومحدود.. ومن ثم تبقى جميع وسائل المعرفة، وجميع النتائج التي يصل إليها البشر عن طريق هذه الوسائل، محصورة في تلك الدائرة الجزئية النسبية.
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 278