responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 65
وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْأَوَّلِ. انْتَهَى. وَالْحَقُّ أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ مَدْلُولَ الْخَبَرِ عُتِقُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَرَادَ الْخَبَرَ الْمُقَيَّدَ بِكَوْنِهِ بِشَارَةً عُتِقَ الْأَوَّلُ، فَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ. وَالْمَأْمُورُ بِالتَّبْشِيرِ قِيلَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَقِيلَ هُوَ كُلُّ أَحَدٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ» وَهَذِهِ الْجُمَلُ وَإِنْ كَانَتْ مُصَدَّرَةً بِالْإِنْشَاءِ فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي عَطْفِهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا، لِأَنَّ الْمُرَادَ عَطْفُ جُمْلَةِ وَصْفِ ثَوَابِ الْمُطِيعِينَ عَلَى جُمْلَةِ وَصْفِ عِقَابِ الْعَاصِينَ مِنْ دُونِ نَظَرٍ إِلَى مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْوَصْفَانِ مِنَ الْأَفْرَادِ الْمُتَخَالِفَةِ خَبَرًا وَإِنْشَاءً. وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ وَبَشِّرِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَاتَّقُوا النَّارَ، وليس هذا بجيد. والصَّالِحاتِ الْأَعْمَالَ الْمُسْتَقِيمَةَ. وَالْمُرَادُ هُنَا: الْأَعْمَالُ الْمَطْلُوبَةُ مِنْهُمُ الْمُفْتَرَضَةُ عَلَيْهِمْ- وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْإِيمَانَ بِمُجَرَّدِهِ يَكْفِي، فَالْجَنَّةُ تُنَالُ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَالْجَنَّاتُ: الْبَسَاتِينُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ جَنَّاتٍ لأنها تجنّ من فِيهَا: أَيْ تَسْتُرُهُ بِشَجَرِهَا، وَهُوَ اسْمٌ لِدَارِ الثَّوَابِ كُلِّهَا وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جَنَّاتٍ كَثِيرَةٍ. وَالْأَنْهَارُ: جَمْعُ نَهْرٍ، وَهُوَ الْمَجْرَى الْوَاسِعُ فَوْقَ الْجَدْوَلِ وَدُونَ الْبَحْرِ، وَالْمُرَادُ: الْمَاءُ الَّذِي يَجْرِي فِيهَا، وَأَسْنَدَ الْجَرْيَ إِلَيْهَا مَجَازًا، وَالْجَارِي حَقِيقَةً هو الماء كما في قوله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ أي أهلها وكما قال الشاعر:
نبّئت أَنَّ النَّارَ بَعْدَكَ أُوقِدَتْ ... وَاسْتَبَّ بَعْدَكَ يَا كُلَيْبُ الْمَجْلِسُ
وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: مِنْ تَحْتِهَا عَائِدٌ إِلَى الْجَنَّاتِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْأَشْجَارِ: أَيْ مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهَا.
وَقَوْلُهُ: كُلَّما رُزِقُوا وَصْفٌ آخَرُ لِلْجَنَّاتِ، أَوْ هُوَ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ كَأَنَّ سائلا قال: كيف ثمارها؟
ومِنْ ثَمَرَةٍ فِي مَعْنَى: مِنْ أَيِّ ثَمَرَةٍ، أَيْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الثَّمَرَاتِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ شَبِيهُهُ وَنَظِيرُهُ، لَا أَنَّهُ هُوَ، لِأَنَّ ذَاتَ الْحَاضِرِ لَا تَكُونُ عَيْنَ ذَاتِ الْغَائِبِ لِاخْتِلَافِهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّوْنَ يُشْبِهُ اللَّوْنَ وَإِنْ كَانَ الْحَجْمُ وَالطَّعْمُ وَالرَّائِحَةُ وَالْمَاوِيَّةُ مُتَخَالِفَةً. وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ إِلَى الرِّزْقِ، وَقِيلَ:
الْمُرَادُ أَنَّهُمْ أَتَوْا بِمَا يُرْزَقُونَهُ فِي الْجَنَّةِ مُتَشَابِهًا فَمَا يَأْتِيهِمْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يُشَابِهُ الَّذِي يَأْتِيهِمْ فِي آخِرِهِ، فَيَقُولُونَ:
هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ، فَإِذَا أَكَلُوا وَجَدُوا لَهُ طَعْمًا غَيْرَ طَعْمِ الْأَوَّلِ. ومُتَشابِهاً مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ.
وَالْمُرَادُ بِتَطْهِيرِ الْأَزْوَاجِ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُنَّ مَا يُصِيبُ النِّسَاءَ مِنْ قَذَرِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَسَائِرِ الْأَدْنَاسِ الَّتِي لَا يَمْتَنِعُ تَعَلُّقُهَا بِنِسَاءِ الدُّنْيَا. وَالْخُلُودُ: الْبَقَاءُ الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِيمَا يَطُولُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ، وَالْبَزَّارُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا هَلْ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطَرَ لَهَا، هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَثَمَرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ، وَمَقَامٌ فِي أَبَدٍ، فِي دَارٍ سَلِيمَةٍ، وَفَاكِهَةٍ خَضْرَاءَ» الْحَدِيثَ. وَالْأَحَادِيثُ فِي وَصْفِ الْجَنَّةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَفَجَّرُ مِنْ تَحْتِ جِبَالِ مِسْكٍ» .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ مَوْقُوفًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ قَالَ: يَعْنِي المساكن

اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 65
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست