responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 615
وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى بِسَبَبِ نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمُ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُمْ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ رَفْعُ الْجَبَلِ فِي الْبَقَرَةِ، وَكَذَلِكَ تَفْسِيرُ دُخُولِهِمُ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ فَتَأْخُذُوا مَا أُمِرْتُمْ بِتَرْكِهِ فِيهِ مِنَ الْحِيتَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ، وَقُرِئَ: لَا تَعْتَدُوا، وَتَعَدُّوا، بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِّ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً مُؤَكِّدًا، وَهُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ وَقِيلَ: إِنَّهُ عَهْدٌ مُؤَكَّدٌ بِالْيَمِينِ، فَسُمِّيَ غَلِيظًا لِذَلِكَ. قَوْلُهُ: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ مَا: مَزِيدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، أَوْ نَكِرَةٌ، وَنَقْضُهُمْ: بَدَلٌ مِنْهَا، وَالْبَاءُ: مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ: فَبِنَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ، وَالْمَعْنَى:
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ إِلَى قَوْلِهِ: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ قَالَ: فَفَسَّرَ ظُلْمَهُمُ الَّذِي أَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِسَبَبِهِ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ وَمَا بَعْدَهُ. وَأَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّ الَّذِينَ أَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ كَانُوا عَلَى عَهْدِ مُوسَى، وَالَّذِينَ قَتَلُوا الْأَنْبِيَاءَ وَرَمُوا مَرْيَمَ بِالْبُهْتَانِ كَانُوا بَعْدَ مُوسَى بِزَمَانٍ، فَلَمْ تَأْخُذِ الصَّاعِقَةُ الَّذِينَ أَخَذَتْهُمْ بِرُمَّتِهِمْ بِالْبُهْتَانِ. قَالَ الَمَهْدَوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهَذَا لَا يَلْزَمُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ عَنْهُمْ، وَالْمُرَادُ آبَاؤُهُمْ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى فَبِنَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ، لِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُمْتَدَّةٌ إِلَى قَوْلِهِ: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا وَنَقْضُهُمُ الْمِيثَاقَ: أَنَّهُ أَخَذَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُبَيِّنُوا صِفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَقِيلَ الْمَعْنَى: فَبِنَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَفِعْلِهِمْ كَذَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَقِيلَ الْمَعْنَى: فَبِنَقْضِهِمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَلا يُؤْمِنُونَ مُقْحِمَةٌ. قَوْلُهُ: وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَقَتْلِهِمُ، وَالْمُرَادُ بِآيَاتِ اللَّهِ: كُتُبُهُمُ الَّتِي حَرَّفُوهَا، وَالْمُرَادُ بالأنبياء الذين قتلوهم: يحيى وزكرياء. وغلف: جَمْعُ أَغْلُفٍ، وَهُوَ الْمُغَطَّى بِالْغِلَافِ، أَيْ: قُلُوبُنَا في أغطية فلا نفقه مَا تَقُولُ.
وَقِيلَ: إِنَّ غُلْفٌ: جَمْعُ غِلَافٍ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ قُلُوبَهُمْ أَوْعِيَةٌ لِلْعِلْمِ، فَلَا حَاجَةَ لَهُمْ إِلَى عِلْمٍ غَيْرِ مَا قَدْ حَوَتْهُ قُلُوبُهُمْ، وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ [1] وَغَرَضُهُمْ بِهَذَا رَدُّ حُجَّةِ الرُّسُلِ. قَوْلُهُ: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ اعْتِرَاضِيَّةٌ أَيْ: لَيْسَ عَدَمُ قَبُولِهِمْ لِلْحَقِّ بِسَبَبِ كَوْنِهَا غُلْفًا بِحَسَبِ مَقْصِدِهِمُ الَّذِي يُرِيدُونَهُ، بَلْ بِحَسَبِ الطَّبْعِ مِنَ اللَّهُ عَلَيْهَا. وَالطَّبْعُ: الْخَتْمُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إِيضَاحُ مَعْنَاهُ فِي الْبَقَرَةِ، وَقَوْلُهُ: فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا أَيْ: هِيَ مَطْبُوعٌ عَلَيْهَا مِنَ اللَّهِ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا إِيمَانًا قَلِيلًا، أَوْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ: كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَمَنْ أَسْلَمَ مَعَهُ مِنْهُمْ، وَقَوْلُهُ: وَبِكُفْرِهِمْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَإِعَادَةُ الْجَارِّ:
لِوُقُوعِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَهَذَا التَّكْرِيرُ لِإِفَادَةِ أَنَّهُمْ كَفَرُوا كُفْرًا بَعْدَ كُفْرٍ وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْكُفْرِ: كُفْرُهُمْ بِالْمَسِيحِ، فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً هُوَ رَمْيُهَا بِيُوسُفَ النَّجَّارِ، وَكَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَالْبُهْتَانُ: الْكَذِبُ الْمُفْرِطُ الَّذِي يُتَعَجَّبُ مِنْهُ. قَوْلُهُ:
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ جِنَايَاتِهِمْ وَذُنُوبِهِمْ، لِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِأَنَّهُمْ قَتَلُوهُ، وَافْتَخَرُوا بِقَتْلِهِ، وَذَكَرُوهُ بِالرِّسَالَةِ اسْتِهْزَاءً، لِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَهَا وَلَا يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُ نَبِيٌّ، وَمَا ادَّعَوْهُ مِنْ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى بَيَانِ صِفَتِهِ وَإِيضَاحِ حَقِيقَتِهِ الْإِنْجِيلِ، وَمَا فِيهِ هُوَ مِنْ تَحْرِيفِ النَّصَارَى، أَبْعَدَهُمُ اللَّهُ، فَقَدْ كَذَّبُوا، وَصَدَقَ اللَّهُ الْقَائِلُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَالْجُمْلَةُ

[1] فصلت: 5.
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 615
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست