responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 602
هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ» وَلَمَّا كَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِكَ وَلَوْ حَرَصُوا عَلَيْهِ وَبَالَغُوا فِيهِ نَهَاهُمْ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَنْ يَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ، لِأَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ وَتَجَنُّبَ الْجَوْرِ كُلِّ الْجَوْرِ فِي وُسْعِهِمْ، وَدَاخِلٌ تَحْتِ طَاقَتِهِمْ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَمِيلُوا عَنْ إِحْدَاهُنَّ إِلَى الْأُخْرَى كُلَّ الْمَيْلِ، حَتَّى يَذْرُوَا الْأُخْرَى كَالْمُعَلَّقَةِ الَّتِي لَيْسَتْ ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا مُطْلَقَةٍ، تَشْبِيهًا بِالشَّيْءِ الَّذِي هُوَ مُعَلَّقٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ عَلَى شَيْءٍ، وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: «فَتَذْرُوهَا كَالْمَسْجُونَةِ» قَوْلُهُ: وَإِنْ تُصْلِحُوا أَيْ: مَا أَفْسَدْتُمْ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَرَكْتُمْ مَا يَجِبُ عَلَيْكُمْ فِيهَا مِنْ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَالْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ وَتَتَّقُوا كُلَّ الْمَيْلِ الَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً لَا يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا فُرِّطَ مِنْكُمْ.
قَوْلُهُ: وَإِنْ يَتَفَرَّقا أَيْ: لَمْ يَتَصَالَحَا بَلْ فَارَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْهُمَا، أَيْ:
يجعله مستغنيا عن الآخر، بأن يهيء لِلرَّجُلِ امْرَأَةً تُوَافِقُهُ وَتَقَرُّ بِهَا عَيْنُهُ، وَلِلْمَرْأَةِ رَجُلًا تَغْتَبِطُ بِصُحْبَتِهِ، وَيَرْزُقُهُمَا مِنْ سَعَتِهِ رِزْقًا يُغْنِيهِمَا بِهِ عَنِ الْحَاجَّةِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً وَاسِعُ الْفَضْلِ، صَادِرَةٌ أَفْعَالَهُ عَلَى جِهَةِ الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَشِيَتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَا تُطَلِّقْنِي، وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَفَعَلَ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ هُوَ قِصَّةُ سَوْدَةَ الْمَذْكُورَةِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهَا فِي الْآيَةِ قَالَتْ: الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ لَيْسَ بِمُسْتَكْثِرٍ مِنْهَا يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا فَتَقُولُ: أَجْعَلُكَ مِنْ شَأْنِي فِي حِلٍّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ ابْنَةَ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ كَانَتْ عِنْدَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، فَكَرِهَ مِنْهَا أَمْرًا، إِمَّا كِبَرًا أَوْ غَيْرَهُ، فَأَرَادَ طَلَاقَهَا فَقَالَتْ: لَا تُطَلِّقْنِي وَاقْسِمْ لِي مَا بَدَا لَكَ، فَاصْطَلَحَا، وَجَرَتِ السُّنَّةُ بِذَلِكَ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ رَاهَوَيْهِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: هُوَ رَجُلٌ عِنْدَهُ امْرَأَتَانِ، فَتَكُونُ إِحْدَاهُمَا قَدْ عَجَزَتْ، أَوْ تَكُونُ دَمِيمَةً، فَيُرِيدُ فِرَاقَهَا، فَتُصَالِحُهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا لَيْلَةً، وَعِنْدَ الْأُخْرَى لَيَالِيَ وَلَا يُفَارِقُهَا، فَمَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنْ رَجَعَتْ سِوِّيَ بَيْنِهِمَا. وَقَدْ وَرَدَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ نَحْوَ هَذَا، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «لَمَّا كَبُرَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لَهَا بِيَوْمِ سَوْدَةَ» .
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ قَالَ: هَوَاهُ فِي الشَّيْءِ يَحْرِصُ عَلَيْهِ، وَفِي قَوْلِهِ: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ قَالَ:
فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ، وَفِي قَوْلِهِ: فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ قَالَ: لَا هِيَ أَيِّمَةٌ وَلَا ذَاتُ زَوْجٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَيَعْدِلُ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فيما

اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 602
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست