responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 579
أَهْلِ الْإِسْلَامِ، أَيْ: لَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ التَّسْلِيمَ- فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ-: لَسْتَ مُؤْمِنًا. وَالْمُرَادُ:
نَهْيُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ أَنْ يُهْمِلُوا مَا جَاءَ بِهِ الْكَافِرُ مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى إِسْلَامِهِ، وَيَقُولُوا: إِنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ بِذَلِكَ تَعَوُّذًا وَتَقِيَّةً، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: لَسْتَ مُؤْمِناً مِنْ آمنته: إِذَا أَجَرْتَهُ فَهُوَ مُؤَمَّنٌ.
وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ: عَلَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ كَافِرًا بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قُتِلَ بِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ عَصَمَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ دَمَهُ وَمَالَهُ وَأَهْلَهُ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقَتْلُ عَمَّنْ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا، وَظَنُّوا أَنَّ مَنْ قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا، وَلَا يَصِيرُ بِهَا دَمُهُ مَعْصُومًا، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَهُوَ مُطَمْئِنٌ غَيْرُ خَائِفٍ، وَفِي حُكْمِ التَّكَلُّمِ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ: إِظْهَارُ الِانْقِيَادِ، بِأَنْ يَقُولَ: أَنَا مُسْلِمٌ، أَوْ:
أَنَا عَلَى دِينِكُمْ، لِمَا عَرَفْتَ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِكُلِّ مَا يُشْعِرُ بِالْإِسْلَامِ، مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ: كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةُ التَّسْلِيمِ، فَالْقَوْلَانِ الْآخَرَانِ فِي مَعْنَى الْآيَةِ دَاخِلَانِ تَحْتَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: لَا تَقُولُوا تِلْكَ الْمَقَالَةَ طَالِبِينَ الْغَنِيمَةَ، عَلَى أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ رَاجِعًا إِلَى الْقَيْدِ وَالْمُقَيَّدِ، لَا إِلَى الْقَيْدِ فَقَطْ، وَسُمِّيَ مَتَاعُ الدُّنْيَا عَرَضًا: لِأَنَّهُ عَارِضٌ زَائِلٌ غَيْرُ ثَابِتٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ جَمِيعُ مَتَاعِ الدُّنْيَا: عَرَضٌ، بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَأَمَّا الْعَرْضُ بِسُكُونِ الرَّاءِ: فَهُوَ مَا سِوَى الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، فَكُلُّ عَرْضٍ بِالسُّكُونِ عَرَضٌ بِالْفَتْحِ، وَلَيْسَ كُلُّ عَرَضٍ بِالْفَتْحِ عَرْضًا بِالسُّكُونِ. وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ: الْعَرَضُ مَا نِيلَ مِنَ الدُّنْيَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَجَمْعُهُ عُرُوضٌ. وَفِي الْمُجْمَلِ لِابْنِ فَارِسٍ: وَالْعَرَضُ: مَا يُعْتَرَضُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ، وَعَرَضُ الدُّنْيَا: مَا كَانَ فِيهَا مِنْ مَالٍ قَلَّ أو كثر، وَالْعَرْضُ مِنَ الْأَثَاثِ: مَا كَانَ غَيْرَ نَقْدٍ. قَوْلُهُ: فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ هُوَ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ، أَيْ: عِنْدَ اللَّهِ مِمَّا هُوَ حَلَالٌ لَكُمْ مِنْ دُونِ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ تَغْتَنِمُونَهَا، وَتَسْتَغْنُونَ بِهَا عَنْ قَتْلِ مَنْ قَدِ اسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ، وَاغْتِنَامِ مَالِهِ. كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ أَيْ: كُنْتُمْ كُفَّارًا، فَحُقِنَتْ دِمَاؤُكُمْ لَمَّا تَكَلَّمْتُمْ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ، أَوْ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ، تُخْفُونَ إِيمَانَكُمْ عَنْ قَوْمِكُمْ خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِكُمْ حَتَّى مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِإِعْزَازِ دِينِهِ فَأَظْهَرْتُمُ الْإِيمَانَ وَأَعْلَنْتُمْ بِهِ، وَكَرَّرَ الْأَمْرَ بِالتَّبَيُّنِ للتأكيد عَلَيْهِمْ، لِكَوْنِهِ وَاجِبًا لَا فُسْحَةَ فِيهِ وَلَا رُخْصَةَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَحِقَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا مَعَهُ غَنِيمَةٌ لَهُ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَتَلُوهُ وأخذوا غنيمته، فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا الْآيَةَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ بِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَسُوقُ غَنَمًا لَهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: مَا سَلَّمَ عَلَيْنَا إِلَّا لِيَتَعَوَّذَ مِنَّا، فعمدوا إِلَيْهِ، فَقَتَلُوهُ، وَأَتَوْا بِغَنَمِهِ إِلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابن أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِضَمَ، فَخَرَجْتُ فِي نَفَرٍ مِنَ المسلمين فيهم أبو قتادة

اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 579
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست