responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 573
نَصْبًا عَلَى الْحَالِ. وَقُرِئَ: حَصِرَاتٍ وَحَاصِرَاتٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدُ: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ: هُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ، كَمَا تَقُولُ: لَعَنَ اللَّهُ الْكَافِرَ، وَضَعَّفَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَقِيلَ: أَوْ: بِمَعْنَى الْوَاوِ.
وَقَوْلُهُ: أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَيْ: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ عَنْ قِتَالِكُمْ وَالْقِتَالِ مَعَكُمْ لِقَوْمِهِمْ، فَضَاقَتْ صُدُورُهُمْ عَنْ قِتَالِ الطَّائِفَتَيْنِ، وَكَرِهُوا ذَلِكَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ ابْتِلَاءً مِنْهُ لَكُمْ، وَاخْتِبَارًا، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ [1] . أَوْ تَمْحِيصًا لَكُمْ، أَوْ عُقُوبَةً بِذُنُوبِكُمْ، وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: فَلَقاتَلُوكُمْ جَوَابُ لَوْ، عَلَى تَكْرِيرِ الْجَوَابِ، أَيْ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ وَلَقَاتَلُوكُمْ، وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِقِتَالِكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ أَيِ: اسْتَسْلَمُوا لَكُمْ وَانْقَادُوا فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا أَيْ: طَرِيقًا، فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ قَتْلُهُمْ، وَلَا أَسْرُهُمْ، وَلَا نَهْبُ أَمْوَالِهِمْ، فَهَذَا الِاسْتِسْلَامُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُحَرِّمُهُ سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ فَيُظْهِرُونَ لَكُمُ الْإِسْلَامَ، وَيُظْهِرُونَ لِقَوْمِهِمُ الْكُفْرَ، لِيَأْمَنُوا مِنْ كِلَا الطَّائِفَتَيْنِ، وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ، طَلَبُوا الْأَمَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِيَأْمَنُوا عِنْدَهُ وَعِنْدَ قَوْمِهِمْ، وَقِيلَ: هِيَ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَقِيلَ: فِي نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَأْمَنُ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ: وَقِيلَ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَقِيلَ: فِي أَسَدٍ وَغَطَفَانَ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أَيْ: دَعَاهُمْ قَوْمُهُمْ إِلَيْهَا وَطَلَبُوا مِنْهُمْ قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ أُرْكِسُوا فِيها أَيْ: قُلِبُوا فِيهَا، فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، وَقَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ، وَمَعْنَى الِارْتِكَاسِ: الِانْتِكَاسُ فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ أَيْ: يَسْتَسْلِمُونَ لَكُمْ وَيَدْخُلُونَ فِي عَهْدِكُمْ وَصُلْحِكُمْ وَيَنْسَلِخُونَ عَنْ قَوْمِهِمْ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ عَنْ قِتَالِكُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ أَيْ: حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَتَمَكَّنْتُمْ مِنْهُمْ وَأُولئِكُمْ الْمَوْصُوفُونَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً أَيْ: حُجَّةً وَاضِحَةً، تَتَسَلَّطُونَ بِهَا عَلَيْهِمْ، وَتَقْهَرُونَهُمْ بِهَا، بِسَبَبِ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْمَرَضِ، وَمَا فِي صُدُورِهِمْ مِنَ الدَّغَلِ، وَارْتِكَاسِهِمْ فِي الْفِتْنَةِ بِأَيْسَرِ عَمَلٍ وَأَقَلِّ سَعْيٍ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ، فَرَجَعَ نَاسٌ خَرَجُوا مَعَهُ، فَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ، فِرْقَةٌ تَقُولُ: نَقْتُلُهُمْ، وَفِرْقَةٌ تَقُولُ:
لَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ الْآيَةَ كُلَّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا طَيِّبَةٌ، وَإِنَّهَا تَنْفِي الْخَبَثَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ» . هَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ، وَقَدْ رُوِيَتْ أَسْبَابٌ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ يَقُولُ: أَوْقَعَهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ قَالَ: رَدَّهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ قَالَ: نَزَلَتْ فِي هِلَالِ بْنِ عُوَيْمِرٍ وَسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيِّ، وَفِي خُزَيْمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي نَاسِخِهِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالنَّحَّاسُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ الْآيَةَ، قَالَ: نسختها براءة فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ

[1] محمد: 31.
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 573
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست