responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 569
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِيهِ إِطْمَاعٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِكَفِّ بَأْسِ الَّذِينَ كَفَّرُوا عَنْهُمْ، وَالْإِطْمَاعُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاجِبٌ، فَهُوَ وَعْدٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، وَوَعْدُهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً أَيْ: أَشَدُّ صَوْلَةً، وَأَعْظَمُ سُلْطَانًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا أَيْ: عُقُوبَةً، يُقَالُ: نَكَّلْتُ بِالرَّجُلِ تَنْكِيلًا: مِنَ النَّكَالِ، وَهُوَ الْعَذَابُ.
وَالْمُنَكِّلُ: الشَّيْءُ الَّذِي يُنَكِّلُ بِالْإِنْسَانِ مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها أَصْلُ الشَّفَاعَةِ وَالشُّفْعَةِ وَنَحْوِهِمَا: مِنَ الشَّفْعِ، وَهُوَ الزَّوْجُ، وَمِنْهُ: الشَّفِيعُ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعَ صَاحِبِ الْحَاجَةِ شَفْعًا، وَمِنْهُ نَاقَةٌ شَفُوعٌ:
إِذَا جَمَعَتْ بَيْنَ مِحْلَبَيْنِ فِي حَلْبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَنَاقَةٌ شَفِيعٌ: إِذَا اجْتَمَعَ لَهَا حَمْلٌ وَوَلَدٌ يَتْبَعُهَا. وَالشَّفْعُ: ضَمُّ وَاحِدٍ إِلَى وَاحِدٍ. وَالشُّفْعَةُ: ضَمُّ مِلْكِ الشَّرِيكِ إلى ملكك، فَالشَّفَاعَةُ: ضَمُّ غَيْرِكَ إِلَى جَاهِكَ وَوَسِيلَتِكَ، فَهِيَ عَلَى التَّحْقِيقِ إِظْهَارٌ لِمَنْزِلَةِ الشَّفِيعِ عِنْدَ الْمُشَفَّعِ، وَاتِّصَالُ مَنْفَعَةٍ إِلَى الْمَشْفُوعِ لَهُ. وَالشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ: هِيَ فِي الْبِرِّ وَالطَّاعَةِ. وَالشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ: فِي الْمَعَاصِي، فَمَنْ شَفَعَ فِي الْخَيْرِ لِيَنْفَعَ فَلَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا: أَيْ مِنْ أَجْرِهَا، وَمَنْ شَفَعَ فِي الشَّرِّ- كَمَنْ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ وَالْغِيبَةِ- كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا، أَيْ: نَصِيبٌ مِنْ وِزْرِهَا. وَالْكِفْلُ: الْوِزْرُ وَالْإِثْمُ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْكِسَاءِ الَّذِي يَجْعَلُهُ الرَّاكِبُ عَلَى سَنَامِ الْبَعِيرِ لِئَلَّا يَسْقُطَ يقال: اكتفلت البعير: إذا أدرت عَلَى سَنَامِهِ كِسَاءً وَرَكِبْتَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلِ الظَّهْرَ كُلَّهُ، بَلِ اسْتَعْمَلَ نَصِيبًا مِنْهُ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي النَّصِيبِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَمِنِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْخَيْرِ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [1] . وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً أَيْ: مُقْتَدِرًا، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمَقِيتُ: الَّذِي يُعْطِي كُلَّ إِنْسَانٍ قُوتَهُ، يُقَالُ: قُتُّهُ، أَقُوتُهُ، قُوتًا، وَأَقَتُّهُ، أُقِيتُهُ، إِقَاتَةً، فَأَنَا قَائِتٌ، وَمُقِيتٌ، وَحَكَى الْكِسَائِيُّ: أَقَاتَ يُقِيتُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمُقِيتُ: الْحَافِظُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَوْلَى، لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقُوتِ، وَالْقُوتُ مَعْنَاهُ:
مِقْدَارُ مَا يَحْفَظُ الْإِنْسَانَ. وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ: الْمُقِيتُ: الْمُقْتَدِرُ. وَالْمَقِيتُ: الْحَافِظُ وَالشَّاهِدُ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَلِيَ الْفَضْلُ أَمْ عَلَيَّ إِذَا حُو ... سِبْتُ إِنِّي عَلَى الْحِسَابِ مُقِيتُ
فَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: إِنَّهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى. قَوْلُهُ: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها التَّحِيَّةُ: تَفْعِلَةٌ مِنْ حَيَيْتُ، وَالْأَصْلُ تَحْيِيَةٌ، مِثْلَ: تَرْضِيَةٍ وَتَسْمِيَةٍ، فَأَدْغَمُوا الْيَاءَ فِي الْيَاءِ، وَأَصْلُهَا:
الدُّعَاءُ بِالْحَيَاةِ. وَالتَّحِيَّةُ: السَّلَامُ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَمِثْلُهُ قوله تعالى: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ [2] وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةُ الْمُفَسِّرِينَ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّحِيَّةِ هُنَا: تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ. وقال أصحاب أبي حنيفة، التحية هُنَا: الْهَدِيَّةُ، لِقَوْلِهِ: أَوْ رُدُّوها وَلَا يُمْكِنُ رَدُّ السَّلَامِ بِعَيْنِهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ لَا يَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ إِلَيْهِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها: أَنْ يَزِيدَ فِي الْجَوَابِ عَلَى مَا قَالَهُ المبتدئ بالتحية، فَإِذَا قَالَ الْمُبْتَدِئُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، قَالَ الْمُجِيبُ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَإِذَا زَادَ الْمُبْتَدِئُ لَفْظًا، زَادَ الْمُجِيبُ عَلَى جُمْلَةِ مَا جَاءَ بِهِ الْمُبْتَدِئُ لَفْظًا أَوْ أَلْفَاظًا نَحْوَ: وَبَرَكَاتُهُ وَمَرْضَاتُهُ وَتَحِيَّاتُهُ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالسَّلَامِ سُنَّةٌ مُرَغَّبٌ فِيهَا، وَرَدَّهُ فَرِيضَةٌ، لِقَوْلِهِ: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها وَاخْتَلَفُوا إِذَا رَدَّ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ هَلْ يجزئ أولا؟ فذهب مالك والشافعي إلى

[1] الحديد: 28. [.....]
[2] المجادلة: 8.
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 569
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست