responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 562
لَامُ تَوْكِيدٍ. وَفِي قَوْلِهِ: لَيُبَطِّئَنَّ لَامُ جَوَابِ القسم، و «من» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَصِلَتُهَا: الْجُمْلَةُ.
وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْكَلْبِيُّ لَيُبَطِّئَنَّ بِالتَّخْفِيفِ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ مِنْ قَتْلٍ أَوْ هَزِيمَةٍ أَوْ ذَهَابِ مَالٍ. قَالَ هَذَا الْمُنَافِقُ: قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ حَتَّى يُصِيبَنِي مَا أصابهم وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ غَنِيمَةٌ أَوْ فَتْحٌ لَيَقُولَنَّ هَذَا الْمُنَافِقُ قَوْلَ نادم حاسد: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً. قَوْلُهُ: كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ لَيَقُولُنَّ وَبَيْنَ مَفْعُولِهِ، وَهُوَ: يَا لَيْتَنِي وَقِيلَ: إِنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا- وَقِيلَ: الْمَعْنَى: لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ، أَيْ: كَأَنْ لَمْ يُعَاقِدْكُمْ عَلَى الْجِهَادِ وَقِيلَ: هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ:
لَيَقُولَنَّ بِضَمِّ اللَّامِ عَلَى مَعْنَى مَنْ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ: كَأَنْ لَمْ تَكُنْ: بِالتَّاءِ، عَلَى لَفْظِ الْمَوَدَّةِ. قَوْلُهُ: فَأَفُوزَ بِالنَّصْبِ، عَلَى جَوَابِ التَّمَنِّي. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: فَأَفُوزَ بِالرَّفْعِ.
قَوْلُهُ: فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ هَذَا أَمْرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَقَدَّمَ الظَّرْفَ عَلَى الْفَاعِلِ لِلِاهْتِمَامِ به، والَّذِينَ يَشْرُونَ مَعْنَاهُ: يَبِيعُونَ، وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَالْفَاءُ فِي قوله: فَلْيُقاتِلْ جواب الشرط مُقَدَّرٍ، أَيْ: إِنْ لَمْ يُقَاتِلْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ سَابِقًا الْمَوْصُوفُونَ بِأَنَّ مِنْهُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ، فَلْيُقَاتِلِ الْمُخْلِصُونَ الْبَاذِلُونَ أَنْفُسَهُمُ، الْبَائِعُونَ لِلْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ. ثُمَّ وَعَدَ الْمُقَاتِلِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَنَّهُ سَيُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ:
إِذَا قُتِلَ فَازَ بِالشَّهَادَةِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى دَرَجَاتِ الْأُجُورِ، وَإِنْ غَلَبَ وَظَفِرَ كَانَ لَهُ أَجْرُ مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ مَا قَدْ نَالَهُ مِنَ الْعُلُوِّ فِي الدُّنْيَا وَالْغَنِيمَةِ، وَظَاهِرُ هَذَا: يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَنْ قُتِلَ شَهِيدًا أَوِ انْقَلَبَ غَانِمًا، وَرُبَّمَا يُقَالُ: إِنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا إِنَّمَا هِيَ فِي إِيتَاءِ الْأَجْرِ الْعَظِيمِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَجْرُهُمَا مُسْتَوِيًا، فَإِنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ عَظِيمًا هُوَ مِنَ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ الَّتِي يَكُونُ بَعْضُهَا عَظِيمًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ دُونَهُ، وَحَقِيرًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ فَوْقَهُ. قَوْلُهُ: وَما لَكُمْ لَا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمَأْمُورِينَ بِالْقِتَالِ عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ.
قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى الِاسْمِ الشَّرِيفِ، أَيْ: مَا لَكَمَ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَسَبِيلِ الْمُسْتَضْعَفِينَ حَتَّى تُخَلِّصُوهُمْ مِنَ الْأَسْرِ، وَتُرِيحُوهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْجَهْدِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الِاخْتِصَاصِ، أَيْ: وَأَخُصُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَإِنَّهُمْ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ سَبِيلُ اللَّهِ، واختار الأوّل الزجاج والأزهري. قال مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: أَخْتَارُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَفِي الْمُسْتَضْعَفِينَ، فَيَكُونَ عَطْفًا عَلَى السَّبِيلِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُسْتَضْعَفِينَ هُنَا: مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ تَحْتَ إِذْلَالِ الْكُفَّارِ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانَ يَدْعُو لهم النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ فَيَقُولُ:
«اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» كَمَا فِي الصَّحِيحِ. وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ لَفْظَ الْآيَةِ أَوْسَعُ، وَالِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَوْلَا تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها فَإِنَّهُ يُشْعِرُ: بِاخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِالْمُسْتَضْعَفِينَ الْكَائِنِينَ فِي مَكَّةَ، لِأَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ: عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا: مَكَّةُ. وَقَوْلُهُ: مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ بَيَانٌ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ قَوْلُهُ: الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ هَذَا تَرْغِيبٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَتَنْشِيطٌ لَهُمْ بِأَنَّ قِتَالَهُمْ لِهَذَا الْمَقْصِدِ لَا لِغَيْرِهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ أَيْ: سَبِيلِ الشَّيْطَانِ، أَوِ الْكُهَّانِ،

اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 562
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست