responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 518
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى الْآيَةِ: فَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا: الْمَعْنَى: فَمَا انْتَفَعْتُمْ وَتَلَذَّذْتُمْ بِالْجِمَاعِ مِنَ النِّسَاءِ بِالنِّكَاحِ الشَّرْعِيِّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أَيْ: مُهُورَهُنَّ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ:
نِكَاحُ الْمُتْعَةِ الَّذِي كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قِرَاءَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ:
فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ثُمَّ نَهَى عَنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، كَمَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قال: نهى النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَاللَّهُ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا» . وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَهَذَا هُوَ النَّاسِخُ. وَقَالَ سعيد بن جبير: نسخها آيَاتُ الْمِيرَاثِ، إِذِ الْمُتْعَةُ لَا مِيرَاثَ فِيهَا. وَقَالَتْ عَائِشَةُ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: تَحْرِيمُهَا وَنَسْخُهَا فِي الْقُرْآنِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ- إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [1] وَلَيْسَتِ الْمَنْكُوحَةُ بِالْمُتْعَةِ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ، وَلَا مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ، فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ الزَّوْجَةِ أَنْ تَرِثَ وَتُورَثَ، وَلَيْسَتِ الْمُسْتَمْتَعُ بِهَا كَذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: بِجَوَازِ الْمُتْعَةِ وَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ لَمْ تُنْسَخْ. وَرُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَنْ بَلَغَهُ النَّاسِخُ. وَقَدْ قَالَ بِجَوَازِهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الرَّوَافِضِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِأَقْوَالِهِمْ. وَقَدْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِتَكْثِيرِ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَتَقْوِيَةِ مَا قَالَهُ الْمُجَوِّزُونَ لَهَا، وَلَيْسَ هَذَا الْمَقَامُ مَقَامَ بَيَانِ بُطْلَانِ كَلَامِهِ.
وَقَدْ طَوَّلْنَا الْبَحْثَ وَدَفَعْنَا الشُّبَهَ الْبَاطِلَةَ الَّتِي تَمَسَّكَ بِهَا الْمُجَوِّزُونَ لَهَا فِي شَرْحِنَا لِلْمُنْتَقَى فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: فَرِيضَةً مُنْتَصِبٌ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ أَوْ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: مَفْرُوضَةً. قَوْلُهُ: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ أَيْ: مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ فِي الْمَهْرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ سَائِغٌ عِنْدَ التَّرَاضِي، هَذَا عِنْدَ مَنْ قَالَ: بِأَنَّ الْآيَةَ فِي النِّكَاحِ الشَّرْعِيِّ وَأَمَّا عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْقَائِلِينَ: بِأَنَّهَا فِي الْمُتْعَةِ، فَالْمَعْنَى: التراضي في زيادة الْمُتْعَةِ أَوْ نُقْصَانِهَا، أَوْ فِي زِيَادَةِ مَا دَفَعَهُ إِلَيْهَا إِلَى مُقَابِلِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا أَوْ نُقْصَانِهِ. قَوْلُهُ: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ الطَّوْلُ: الْغِنَى وَالسَّعَةُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ غِنًى وَسَعَةً فِي مَالِهِ يَقْدِرُ بِهَا عَلَى نِكَاحِ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَلْيَنْكِحْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، يُقَالُ: طَالَ، يَطُولُ، طَوْلًا: فِي الْإِفْضَالِ وَالْقُدْرَةِ، وَفُلَانٌ ذُو طَوْلٍ: أَيْ: ذُو قُدْرَةٍ فِي مَالِهِ. وَالطُّولُ بِالضَّمِّ: ضِدُّ الْقِصَرِ. وَقَالَ قَتَادَةُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ: إِنَّ الطَّوْلَ: الصَّبْرُ.
وَمَعْنَى الْآيَةِ عِنْدَهُمْ: أَنَّ مَنْ كَانَ يَهْوَى أَمَةً حَتَّى صَارَ لِذَلِكَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إِذَا لَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهُ وَخَافَ أَنْ يَبْغِيَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ يَجِدُ سِعَةً فِي الْمَالِ لِنِكَاحِ حُرَّةٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ: إِنِ الطَّوْلَ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ، فَمَنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ الْأَمَةَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَاحْتَجَّ لَهُ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هو المطابق

[1] المعارج: 29.
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 518
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست