responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 482
فَسُمِّيَ الْإِثْمُ: حُوبًا، لِأَنَّهُ يُزْجَرُ عَنْهُ. وَالْحَوْبَةُ: الْحَاجَةُ. وَالْحُوبُ أَيْضًا: الْوَحْشَةُ، وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ:
ضَمُّ الْحَاءِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ. وَفَتْحُ الْحَاءِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ، قَالَ الْأَخْفَشُ: وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ. وَالثَّالِثَةُ:
الْحَابُ، وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: حَابًا، عَلَى الْمَصْدَرِ، كَقَالَ قَالًا. وَالتَّحَوُّبُ: التَّحَزُّنُ، وَمِنْهُ قَوْلُ طُفَيْلٍ:
فَذُوقُوا كَمَا ذُقْنَا غَدَاةَ محجّر ... من الغيظ في أكبادنا والتّحوّب «1»
وقوله: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا وَجْهُ ارْتِبَاطِ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ: أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَكْفُلُ الْيَتِيمَةَ لِكَوْنِهِ وَلِيًّا لَهَا وَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَلَا يُقْسِطُ لَهَا فِي مَهْرِهَا، أَيْ: يَعْدِلُ فِيهِ، وَيُعْطِيهَا مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ مِنَ الْأَزْوَاجِ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ، وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى مَا هُوَ لَهُنَّ مِنَ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طاب لهنّ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ، فَهَذَا سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ كَمَا سَيَأْتِي، فَهُوَ نَهْيٌ يَخُصُّ هَذِهِ الصُّورَةَ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، مِنْ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنَ الْحَرَائِرِ مَا شَاءَ، فَقَصَرَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَرْبَعٍ، فَيَكُونُ وَجْهُ ارْتِبَاطِ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ أَنَّهُمْ إِذَا خَافُوا أَلَّا يُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَكَذَلِكَ يَخَافُونَ أَلَّا يُقْسِطُوا فِي النِّسَاءِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ فِي الْيَتَامَى وَلَا يَتَحَرَّجُونَ فِي النِّسَاءِ، وَالْخَوْفُ مِنَ الْأَضْدَادِ، فَإِنَّ الْمَخُوفَ قَدْ يَكُونُ مَعْلُومًا، وَقَدْ يَكُونُ مَظْنُونًا، وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي مَعْنَاهُ فِي الْآيَةِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ خِفْتُمْ: بِمَعْنَى: أَيْقَنْتُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: خِفْتُمْ: بِمَعْنَى: ظَنَنْتُمْ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْحُذَّاقُ، وَأَنَّهُ عَلَى بَابِهِ مِنَ الظَّنِّ، لَا مِنَ الْيَقِينِ وَالْمَعْنَى: مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ التَّقْصِيرُ فِي الْعَدْلِ لِلْيَتِيمَةِ فَلْيَتْرُكْهَا وَيَنْكِحْ غَيْرَهَا. وَقَرَأَ النَّخَعِيُّ، وَابْنُ وَثَّابٍ: تَقْسِطُوا بِفَتْحِ التَّاءِ، مِنْ: قَسَطَ: إِذَا جَارَ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَلَى تَقْدِيرِ زِيَادَةِ لَا، كَأَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ خفتم أن لا تَقْسِطُوا. وَحَكَى الزَّجَّاجُ: أَنَّ أَقْسَطَ، يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ قَسَطَ، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ: أَنَّ أَقْسَطَ بمعنى: عدل، وقسط:
بمعنى جار، و «ما» في قوله: ما طابَ موصولة، وجاء بها مَكَانَ مِنْ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَتَعَاقَبَانِ فَيَقَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَكَانَ الْآخَرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَالسَّماءِ وَما بَناها [2] فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ [3] . وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ: إِنَّ «مَا» تَقَعُ لِلنُّعُوتِ كَمَا تَقَعُ لِمَا لَا يَعْقِلُ، يُقَالُ مَا عِنْدَكَ، فَيُقَالُ:
ظَرِيفٌ وَكَرِيمٌ، فَالْمَعْنَى: فَانْكِحُوا الطَّيِّبَ مِنَ النِّسَاءِ، أَيِ: الْحَلَالَ، وَمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فَلَيْسَ بِطَيِّبٍ، وَقِيلَ:
إِنَّ «مَا» هُنَا: مُدِّيَّةٌ، أَيْ: مَا دُمْتُمْ مُسْتَحْسِنِينَ لِلنِّكَاحِ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وقال الفراء: إن «ما» ها هنا: مَصْدَرِيَّةٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ فَانْكِحُوا مَنْ طَابَ. وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَخَفْ أَنْ يُقْسِطَ فِي اليتامى أن ينكح أكثر من واحدة، و «من» فِي قَوْلِهِ: مِنَ النِّساءِ
إِمَّا: بَيَانِيَّةٌ، أَوْ: تَبْعِيضِيَّةٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الْيَتَائِمِ. قَوْلُهُ: مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ «مَا» كَمَا قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ وقيل:
على الحال، وهذه الألفاظ لا تنصرف لِلْعَدْلِ وَالْوَصْفِيَّةِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي عِلْمِ النحو والأصل: انكحوا ما طاب

(1) . محجّر: اسم موضع. وفي الديوان: «أجوافنا» بدل: أكبادنا.
[2] الشمس: 2.
[3] النور: 45. [.....]
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 482
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست