responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 459
تَثْبِيتُهُمْ، وَخُرُوجُهُمْ لِلِقَاءِ عَدُوِّهِمْ، وَإِرْشَادُهُمْ إِلَى أَنْ يَقُولُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ الَّتِي هِيَ جَالِبَةٌ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَدَافِعَةٌ لِكُلِّ شَرٍّ. قَوْلُهُ: إِنَّما ذلِكُمُ أَيِ: الْمُثَبِّطُ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الشَّيْطانُ هُوَ خَبَرُ اسْمِ الْإِشَارَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْطَانُ صِفَةً لِاسْمِ الْإِشَارَةِ، وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ: يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ قَوْلُهُ:
يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةً، أَوْ حَالِيَّةً، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا: الشَّيْطَانُ نَفْسُهُ، بِاعْتِبَارِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنَ الوسوسة المقتضية للتثبيط وقيل: المراد به: نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَمَّا قَالَ لَهُمْ تِلْكَ الْمَقَالَةَ وَقِيلَ: أَبُو سُفْيَانَ لَمَّا صَدَرَ مِنْهُ الْوَعِيدُ لَهُمْ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الشَّيْطَانَ يُخَوِّفُ الْمُؤْمِنِينَ أَوْلِيَاءَهُ، وَهُمُ الْكَافِرُونَ وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ:
أَوْلِياءَهُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ: يُخَوِّفُكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ أَوْ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَالزَّجَّاجُ، وَأَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ. وَرَدَّهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: بِأَنَّ التَّخْوِيفَ قَدْ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ إِلَى مَفْعُولَيْنِ فَلَا ضَرُورَةَ إِلَى إِضْمَارِ حَرْفِ الْجَرِّ. وَعَلَى قَوْلِ الْفَرَّاءِ وَمَنْ مَعَهُ: يَكُونُ مَفْعُولُ يُخَوِّفُ مَحْذُوفًا، أَيْ: يُخَوِّفُكُمْ. وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَكُونُ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ مَحْذُوفًا، وَالثَّانِي مَذْكُورًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: أَنَّ الشَّيْطَانَ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ، وَهُمُ الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَلَا حَذْفَ. قَوْلُهُ: فَلا تَخافُوهُمْ أَيْ: أَوْلِيَاءَهُ الَّذِينَ يُخَوِّفُكُمْ بِهِمُ الشَّيْطَانُ، أَوْ: فَلَا تَخَافُوا النَّاسَ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ نَهَاهُمْ سُبْحَانَهُ عَنْ أَنْ يَخَافُوهُمْ، فَيَجْبُنُوا عَنِ اللِّقَاءِ، وَيَفْشَلُوا عَنِ الْخُرُوجِ، وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَخَافُوهُ سُبْحَانَهُ فَقَالَ: وَخافُونِ فَافْعَلُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ، وَاتْرُكُوا مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ، لِأَنِّي الْحَقِيقُ بِالْخَوْفِ مِنِّي، وَالْمُرَاقَبَةِ لِأَمْرِي وَنَهْيِي، لِكَوْنِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ بِيَدِي، وَقَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ لِأَنَّ الْإِيمَانَ يَقْتَضِي ذَلِكَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي حَمْزَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَتْلَى أُحُدٍ وَحَمْزَةُ مِنْهُمْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ، وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَحُسْنَ مَقِيلِهِمْ قَالُوا: يَا لَيْتَ إِخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ اللَّهُ لَنَا» ، وَفِي لَفْظٍ: «قَالُوا مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا أَنَّا أَحْيَاءٌ فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلَا يَنَكِلُوا عَنِ الْحَرْبِ، فَقَالَ اللَّهُ: أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا الْآيَةَ وَمَا بَعْدَهَا» . وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ أَبَاهُ سَأَلَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ وَرَاءَهُ مَا هُوَ فِيهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَهُوَ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ: أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ قَتْلَى أُحُدٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ قَتْلَى بِئْرِ مَعُونَةَ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْآيَةُ بِاعْتِبَارِ عُمُومِ لَفْظِهَا يَدْخُلُ تَحْتَهَا كُلُّ شَهِيدٍ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فِي أَجْوَافِ طُيُورٍ خُضْرٍ، وَثَبَتَ فِي فَضْلِ الشُّهَدَاءِ مَا يَطُولُ تَعْدَادُهُ، وَيَكْثُرُ إِيرَادُهُ، مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ

اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 459
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست