responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 324
وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ أَنْبِيَاءَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ لَيْسَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ، فَقَالَ: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ [1] . وقال اللعين: إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [2] وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِمْ سَلْطَنَةٌ فَكَيْفَ يُشَكِّكُهُمْ، وَإِنَّمَا سَأَلَ أَنْ يُشَاهِدَ كَيْفِيَّةَ جَمْعِ أَجْزَاءِ الْمَوْتَى بَعْدَ تَفْرِيقِهَا، وَاتِّصَالِ الْأَعْصَابِ وَالْجُلُودِ بَعْدَ تَمْزِيقِهَا، فَأَرَادَ أَنْ يَرْقَى مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ، فَقَوْلُهُ: أَرِنِي كَيْفَ طَلَبُ مُشَاهَدَةِ الْكَيْفِيَّةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ:
وَلَيْسَتِ الْأَلِفُ فِي قَوْلِهِ: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ أَلِفَ الِاسْتِفْهَامِ، وَإِنَّمَا هِيَ أَلِفُ إِيجَابٍ وَتَقْرِيرٍ كَمَا قَالَ جَرِيرٌ:
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا ... وَأَنْدَى الْعَالَمِينَ بُطُونَ رَاحِ
وَالْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ، وَ «تُؤْمِنْ» : مَعْنَاهُ: إِيمَانًا مُطْلَقًا دَخَلَ فِيهِ فَضْلُ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَالطُّمَأْنِينَةُ: اعْتِدَالٌ وَسُكُونٌ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: مَعْنَى لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي: لِيُوقِنَ. قَوْلُهُ: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ الْفَاءُ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: إِنْ أَرَدْتَ ذَلِكَ فَخُذْ، وَالطَّيْرُ: اسْمُ جَمْعٍ لِطَائِرٍ، كَرَكْبٍ: لِرَاكِبٍ، أَوْ جَمْعٌ، أَوْ مَصْدَرٌ، وَخُصَّ الطَّيْرُ بِذَلِكَ، قِيلَ: لِأَنَّهُ أَقْرَبُ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ إِلَى الْإِنْسَانِ وَقِيلَ: إِنَّ الطَّيْرَ هِمَّتُهُ الطَّيَرَانُ فِي السَّمَاءِ، وَالْخَلِيلُ كَانَتْ هِمَّتُهُ الْعُلُوَّ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِتَخْصِيصِ الطَّيْرِ. وَكُلُّ هَذِهِ لَا تُسْمِنُ وَلَا تُغْنِي مِنْ جُوعٍ، وَلَيْسَتْ إِلَّا خَوَاطِرَ أَفْهَامٍ وَبَوَادِرَ أَذْهَانٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ وُجُوهًا لِكَلَامِ اللَّهِ، وَعِلَلًا لِمَا يَرِدُ فِي كَلَامِهِ، وَهَكَذَا قِيلَ: مَا وَجْهُ تَخْصِيصِ هَذَا الْعَدَدِ فَإِنَّ الطُّمَأْنِينَةَ تَحْصُلُ بِإِحْيَاءٍ وَاحِدٍ؟ فَقِيلَ:
إِنَّ الْخَلِيلَ إِنَّمَا سَأَلَ وَاحِدًا عَلَى عَدَدِ الْعُبُودِيَّةِ، فَأُعْطِيَ أَرْبَعًا عَلَى قَدْرِ الرُّبُوبِيَّةِ وَقِيلَ: إِنَّ الطُّيُورَ الْأَرْبَعَةَ إِشَارَةٌ إِلَى الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي مِنْهَا تَتَرَكَّبُ أَرْكَانُ الْحَيَوَانِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْهَذَيَانِ. قَوْلُهُ: فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ قُرِئَ بِضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِهَا، أَيِ: اضْمُمْهُنَّ إِلَيْكَ، وَأَمِلْهُنَّ، وَاجْمَعْهُنَّ يُقَالُ رَجُلٌ أَصْوَرُ: إِذَا كَانَ مَائِلَ الْعُنُقِ وَيُقَالُ صَارَ الشَّيْءَ يَصْوَرُهُ: أَمَالَهُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّا فِي تَلَفُّتِنَا ... يَوْمَ الْفِرَاقِ إِلَى جِيرَانِنَا صُوَرُ
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: قَطِّعْهُنَّ، يُقَالُ: صَارَ الشَّيْءَ يَصُورُهُ: أَيْ: قَطَعَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ تَوْبَةَ بْنِ الْحُمَيِّرِ:
فَأَدْنَتْ لِي الْأَسْبَابَ حَتَّى بَلَغْتُهَا ... بِنَهْضِي وقد كان ارتقائي يَصُورُهَا
أَيْ: يَقْطَعُهَا، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: إِلَيْكَ متعلقا بقوله: فَخُذْ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً فِيهِ الْأَمْرُ بِالتَّجْزِئَةِ، لِأَنَّ جَعْلَ كُلِّ جُزْءٍ عَلَى جَبَلٍ تَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ التَّجْزِئَةِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى: ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا، وَالْجُزْءُ النَّصِيبُ. وَقَوْلُهُ: يَأْتِينَكَ فِي مَحَلِّ جَزْمٍ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ، وَلَكِنَّهُ بُنِيَ لِأَجْلِ نُونِ الْجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ. وَقَوْلُهُ: سَعْياً الْمُرَادُ بِهِ: الْإِسْرَاعُ فِي الطَّيَرَانِ أَوِ الْمَشْيِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ مَرَّ بِرَجُلٍ مَيِّتٍ زَعَمُوا أَنَّهُ حَبَشِيٌّ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَرَأَى دَوَابَّ الْبَحْرِ تَخْرُجُ فَتَأْكُلُ مِنْهُ، وَسِبَاعَ الْأَرْضِ تَأْتِيهِ فَتَأْكُلُ مِنْهُ، وَالطَّيْرَ يَقَعُ عَلَيْهِ فَيَأْكُلُ مِنْهُ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عِنْدَ ذَلِكَ: رَبِّ، هَذِهِ دَوَابُّ الْبَحْرِ تَأْكُلُ مِنْ هَذَا، وَسِبَاعُ الْأَرْضِ والطير،

[1] الإسراء: 65.
[2] ص: 83.
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 324
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست