responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 291
لِوُقُوعِهَا فِي مُقَابَلَةِ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَالْفَرْضِ الَّتِي تَسْتَحِقُّ الْمُتْعَةَ. وَقَوْلُهُ: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ أَيْ:
فَالْوَاجِبُ عَلَيْكُمْ نِصْفُ مَا سَمَّيْتُمْ لَهُنَّ مِنَ الْمَهْرِ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَنِصْفُ بِالرَّفْعِ. وَقَرَأَ مَنْ عَدَا الْجُمْهُورِ: بِالنَّصْبِ، أَيْ: فَادْفَعُوا نِصْفَ مَا فَرَضْتُمْ، وَقُرِئَ أَيْضًا: بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ. وَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ أَيْضًا عَلَى: أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا وَمَاتَ وَقَدْ فَرَضَ لَهَا مَهْرًا تَسْتَحِقُّهُ كَامِلًا بِالْمَوْتِ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَلْوَةِ: هَلْ تَقُومُ مَقَامَ الدُّخُولِ وَتَسْتَحِقُّ الْمَرْأَةُ بِهَا كَمَالَ الْمَهْرِ كَمَا تَسْتَحِقُّهُ بِالدُّخُولِ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّلِ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَالْكُوفِيُّونَ، وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَتَجِبُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا الْعِدَّةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: لَا يَجِبُ إِلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَسِيسَ هُوَ الْجِمَاعُ، وَلَا تَجِبُ عِنْدَهُ الْعِدَّةُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ. قَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَيِ: الْمُطَلَّقَاتُ، وَمَعْنَاهُ: يَتْرُكْنَ وَيَصْفَحْنَ، وَوَزْنُهُ يَفْعَلْنَ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْعَامِّ، وَقِيلَ: مُنْقَطِعٌ، وَمَعْنَاهُ: يَتْرُكْنَ النِّصْفَ الَّذِي يَجِبُ لَهُنَّ عَلَى الْأَزْوَاجِ. وَلَمْ تَسْقُطِ النُّونُ مَعَ إِنَّ، لِأَنَّ جَمْعَ الْمُؤَنَّثِ فِي الْمُضَارِعِ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرَّفْعِ، وَالنَّصْبِ، وَالْجَزْمِ لِكَوْنِ النُّونِ ضَمِيرًا، وَلَيْسَتْ بِعَلَامَةِ إِعْرَابٍ كَمَا فِي الْمُذَكَّرِ فِي قَوْلِكَ: الرِّجَالُ يَعْفُونَ، وَهَذَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ يَعْنِي: الرِّجَالَ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَفْظًا. ومعنى قوله:
أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحَلِّ قَوْلِهِ: «إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ» لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَبْنِيٌّ وَهَذَا مُعْرَبٌ قِيلَ هُوَ الزَّوْجُ، وَبِهِ قَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَشُرَيْحٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعِكْرِمَةُ، وَنَافِعٌ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالضَّحَّاكُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو مِجْلَزٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَإِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَمَكْحُولٌ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، وَهُوَ الْجَدِيدُ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَفِي هَذَا الْقَوْلِ قُوَّةٌ وَضَعْفٌ أَمَّا قُوَّتُهُ: فَلِكَوْنِ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ حَقِيقَةً هُوَ الزَّوْجُ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي إِلَيْهِ رَفْعُهُ بِالطَّلَاقِ، وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَلِكَوْنِ الْعَفْوِ مِنْهُ غَيْرَ مَعْقُولٍ، وَمَا قَالُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَفْوِهِ أَنْ يُعْطِيَهَا الْمَهْرَ كَامِلًا غَيْرَ ظَاهِرٍ.
لِأَنَّ الْعَفْوَ لَا يُطْلَقُ على الزيادة. وقيل: المراد بقوله: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ هُوَ الْوَلِيُّ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَعَلْقَمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَطَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَرَبِيعَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ، وَفِيهِ قُوَّةٌ وَضَعْفٌ أَمَّا قُوَّتُهُ فَلِكَوْنِ مَعْنَى الْعَفْوِ فِيهِ مَعْقُولًا وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَلِكَوْنِ عُقْدَةِ النِّكَاحِ بِيَدِ الزَّوْجِ لَا بِيَدِهِ، وَمِمَّا يَزِيدُ هَذَا الْقَوْلَ ضَعْفًا:
أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الزَّوْجِ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ. وَقَدْ حَكَى الْقُرْطُبِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ مَالِهَا، وَالْمَهْرُ مَالُهَا. فَالرَّاجِحُ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُونَ لِوَجْهَيْنِ، الْأَوَّلُ: أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ حَقِيقَةً.
الثَّانِي: أَنَّ عَفْوَهُ بِإِكْمَالِ الْمَهْرِ هُوَ صَادِرٌ عَنِ الْمَالِكِ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ الْوَلِيِّ، وَتَسْمِيَةُ الزِّيَادَةِ عَفْوًا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ، لَكِنَّ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ أَنَّهُمْ يَسُوقُونَ الْمَهْرَ كَامِلًا عِنْدَ الْعَقْدِ كَانَ الْعَفْوُ مَعْقُولًا، لِأَنَّهُ تَرَكَهُ لَهَا وَلَمْ يَسْتَرْجِعِ النِّصْفَ مِنْهُ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي هَذَا إِلَى أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ كَمَا فِي الْكَشَّافِ، لِأَنَّهُ

اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 291
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست