responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 271
الْأَمَةِ: «وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» فَهُوَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا أَيْضًا، وَدَلَالَتُهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَوَّلُونَ قَوِيَّةٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْعِدَّةِ اسْتِبْرَاءُ الرَّحِمِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ.
فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ شَيْءٌ مِنَ الْحَيْضِ، عَلَى فَرْضِ تَفْسِيرِ الْأَقْرَاءِ بِالْأَطْهَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْحَيْضِ، كَمَا هِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْأَطْهَارِ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ أَهْلِ الْقَوْلِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ التَّنَازُعَ فِي اللَّامِ فِي قَوْلِهِ: لِعِدَّتِهِنَّ يَصِيرُ ذَلِكَ مُحْتَمَلًا، وَلَا تَقُومُ الْحُجَّةُ بِمُحْتَمَلٍ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» الْحَدِيثَ، فَهُوَ فِي الصَّحِيحِ، وَدَلَالَتُهُ قَوِيَّةٌ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ أَوْ بِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدَ جَوَّزَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حَمْلَ الْمُشْتَرَكَ عَلَى مَعْنَيَيْهِ، وَبِذَلِكَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ، وَيَنْدَفِعُ النِّزَاعُ. وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ تَمْيِيزَ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ: قُرُوءٍ، وَهِيَ جَمْعُ كَثْرَةِ دُونَ أَقْرَاءٍ الَّتِي هِيَ مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ. وَأَجَابَ بِأَنَّهُمْ يَتَّسِعُونَ فِي ذَلِكَ فَيَسْتَعْمِلُونَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَمْعَيْنِ مَكَانَ الْآخَرِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْجَمْعِيَّةِ. قَوْلُهُ: وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ قِيلَ: المراد به: الحيض وَقِيلَ:
كِلَاهُمَا، وَوَجْهُ النَّهْيِ عَنِ الْكِتْمَانِ: مَا فِيهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مِنَ الْإِضْرَارِ بِالزَّوْجِ وَإِذْهَابِ حَقِّهِ فَإِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ: حِضْتُ، وَهِيَ لَمْ تَحِضْ، ذَهَبَتْ بِحَقِّهِ مِنَ الِارْتِجَاعِ وَإِذَا قَالَتْ: لَمْ تَحِضْ، وَهِيَ قَدْ حَاضَتْ، أَلْزَمَتْهُ مِنَ النَّفَقَةِ مَا لَمْ يَلْزَمْهُ، فَأَضَرَّتْ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْحَمْلُ، رُبَّمَا تَكْتُمُهُ لِتَقْطَعَ حَقَّهُ مِنَ الِارْتِجَاعِ، وَرُبَّمَا تَدَّعِيهِ لِتُوجِبَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلْإِضْرَارِ بِالزَّوْجِ. وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْأَقْوَالُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي تُصَدَّقُ فِيهَا الْمَرْأَةُ إِذَا ادَّعَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا. وَقَوْلُهُ: إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِلْكَاتِمَاتِ، وَبَيَانُ أَنَّ مَنْ كَتَمَتْ ذَلِكَ مِنْهُنَّ لَمْ تَسْتَحِقَّ اسْمَ الْإِيمَانِ. وَالْبُعُولَةُ: جَمْعُ بَعْلٍ وَهُوَ الزَّوْجُ، سُمِّيَ: بَعْلًا، لِعُلُوِّهِ عَلَى الزَّوْجَةِ لِأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَهُ عَلَى الرَّبِّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: أَتَدْعُونَ بَعْلًا [1] أَيْ: رَبًّا وَيُقَالُ: بُعُولٌ، وَبُعُولَةٌ، كَمَا يُقَالُ فِي جَمْعِ الذَّكَرِ: ذُكُورٌ، وَذُكُورَةٌ، وَهَذِهِ التَّاءُ لِتَأْنِيثِ الْجَمْعِ، وَهُوَ شَاذٌّ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، بَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ السَّمَاعُ وَالْبُعُولَةُ أَيْضًا تَكُونُ مَصْدَرًا مِنْ: بَعَلَ الرَّجُلُ يَبْعَلُ، مِثْلُ: مَنَعَ يَمْنَعُ، أَيْ: صَارَ بَعْلًا.
وَقَوْلُهُ: أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ أَيْ: بِرُجْعَتِهِنَّ، وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ مُرَاجَعَتُهَا، فَيَكُونُ فِي حُكْمِ التَّخْصِيصِ لِعُمُومِ قوله: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ لأنه يعم المثلثات وَغَيْرَهُنَّ. وَقَوْلُهُ: فِي ذلِكَ يَعْنِي: فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ، فَإِنِ انْقَضَتْ مُدَّةُ التَّرَبُّصِ فَهِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا، وَلَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَأْنَفٍ بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ وَمَهْرٍ جَدِيدٍ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَالرَّجْعَةُ تَكُونُ بِاللَّفْظِ، وَتَكُونُ بِالْوَطْءِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُرَاجِعُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ بِلَا خِلَافٍ. وَقَوْلُهُ: إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً أَيْ: بِالْمُرَاجَعَةِ: أَيْ: إِصْلَاحَ حَالِهِ مَعَهَا وَحَالِهَا مَعَهُ، فَإِنْ قَصَدَ الْإِضْرَارَ بِهَا فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا [2] قِيلَ: وَإِذَا قَصَدَ بِالرَّجْعَةِ الضِّرَارَ فَهِيَ صَحِيحَةٌ، وَإِنِ ارْتَكَبَ بِذَلِكَ مُحَرَّمًا وَظَلَمَ نَفْسَهُ، وَعَلَى هذا: فيكون الشرط المذكور في الآية للحث للأزواج عَلَى قَصْدِ الصَّلَاحِ، وَالزَّجْرِ لَهُمْ عَنْ قَصْدِ الضرار، وليس المراد به:

[1] الصافات: 125.
[2] البقرة: 231.
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 271
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست