responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 267
قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ
الْبَيْتَ [1] وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْإِيلَاءِ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّ الْإِيلَاءَ هُوَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ حَلَفَ على أربعة أشهر فما دونها لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَكَانَتْ عِنْدَهُمْ يَمِينًا مَحْضًا، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ: الْإِيلَاءُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدَا، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا حَتَّى يَحْلِفَ أَنْ لَا يَمَسَّهَا أَبَدًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ لَمْ يَطَأْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ مِنْهُ بِالْإِيلَاءِ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَقَتَادَةُ، وَإِسْحَاقُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَأَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَوْلُهُ: مِنْ نِسائِهِمْ يَشْمَلُ الْحَرَائِرَ وَالْإِمَاءَ إِذَا كُنَّ زَوْجَاتٍ، وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ الْعَبْدُ إِذَا حَلَفَ مِنْ زَوْجَتِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، قَالُوا:
وَإِيلَاؤُهُ كَالْحُرِّ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالزُّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ: إِنَّ أَجْلَهُ شَهْرَانِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِيلَاءُ الْأَمَةِ نِصْفُ إِيلَاءِ الْحُرَّةِ. وَالتَّرَبُّصُ: التَّأَنِّي، وَالتَّأَخُّرُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
تَرَبَّصْ بِهَا رَيْبَ الْمَنُونِ لَعَلَّهَا ... تُطَلَّقُ يَوْمًا أَوْ يَمُوتُ حَلِيلُهَا
وَقَّتَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ دَفْعًا لِلضِّرَارِ عَنِ الزَّوْجَةِ. وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُؤْلُونَ السَّنَةَ، وَالسَّنَتَيْنِ، وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ ضِرَارَ النِّسَاءِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرَ هِيَ الَّتِي لَا تُطِيقُ الْمَرْأَةُ الصَّبْرَ عن زوجها زيادة عليها. قوله: فَإِنْ فاؤُ أَيْ: رَجَعُوا وَمِنْهُ: حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ [2] أَيْ:
تَرْجِعَ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلظِّلِّ بَعْدَ الزَّوَالِ: فَيْءٌ، لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ جَانِبِ الْمَشْرِقِ إِلَى جَانِبِ الْمَغْرِبِ، يُقَالُ: فَاءَ يَفِيءُ فَيْئَةً وَفُيُوءًا، وَإِنَّهُ لِسَرِيعُ الْفَيْئَةِ، أَيِ: الرَّجْعَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَفَاءَتْ وَلَمْ تَقْضِ الَّذِي أَقْبَلَتْ لَهُ ... وَمِنْ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ مَا لَيْسَ قَاضِيَا
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَأَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ: عَلَى أَنَّ الْفَيْءَ: الْجِمَاعُ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرُ مَرَضٍ أَوْ سِجْنٍ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ فَأَبَى الْوَطْءَ فُرِّقَ بَيْنِهِمَا إِنْ كَانَتِ الْمُدَّةُ قَدِ انْقَضَتْ، قَالَهُ مَالِكٌ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا أَشْهَدَ عَلَى فَيْئَتِهِ بِقَلْبِهِ فِي حَالِ الْعُذْرِ أَجْزَأَهُ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَالنَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَقَدْ أَوْجَبَ الْجُمْهُورُ عَلَى الْمُولِي إِذَا فَاءَ بِجِمَاعِ امْرَأَتِهِ الْكَفَّارَةَ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ الْعَزْمُ: الْعَقْدُ عَلَى الشَّيْءِ، وَيُقَالُ: عَزَمَ يَعْزِمُ عَزْمًا وَعَزِيمَةً وَعُزْمَانًا، وَاعْتَزَمَ اعْتِزَامًا، فَمَعْنَى عَزَمُوا الطَّلَاقَ: عَقَدُوا عَلَيْهِ قُلُوبَهُمْ. وَالطَّلَاقُ: مِنْ طَلَقَتِ الْمَرْأَةُ تَطْلُقُ، كَنَصَرَ يَنْصُرُ، طَلَاقًا فَهِيَ طَالِقٌ وَطَالِقَةٌ أَيْضًا، وَيَجُوزُ طَلُقَتْ بِضَمِّ اللَّامِ، مِثْلُ عَظُمَ يَعْظُمُ، وَأَنْكَرَهُ الْأَخْفَشُ. وَالطَّلَاقُ: حلّ عقد النِّكَاحِ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ مَا لَمْ يَقَعْ إِنْشَاءُ تَطْلِيقٍ بَعْدَ الْمُدَّةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: سَمِيعٌ، وَسَمِيعٌ يَقْتَضِي مَسْمُوعًا بَعْدَ الْمُضِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: سَمِيعٌ لِإِيلَائِهِ عَلِيمٌ بِعَزْمِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ مُضِيُّ أَرْبَعَةِ أشهر. واعلم: أن أهل كل

[1] وعجز البيت: وإن سبقت منه الأليّة برّت.
[2] الحجرات: 9.
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 267
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست