responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 244
تقريع وتوبيخ. وكَمْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِالْفِعْلِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهَا عَلَى أنها مفعول بآتى، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ، أَيْ: كَمْ آتَيْنَا آتَيْنَاهُمْ، وَقُدِّرَ مُتَأَخِّرًا لِأَنَّ لَهَا صَدْرَ الْكَلَامِ، وَهِيَ: إِمَّا اسْتِفْهَامِيَّةٌ للتقرير، أو خبرية للتكثير. ومِنْ آيَةٍ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَهِيَ: الْبَرَاهِينُ الَّتِي جَاءَ بِهَا أَنْبِيَاؤُهُمْ فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ: الْآيَاتُ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُوسَى، وَهِيَ التِّسْعُ. وَالْمُرَادُ بِالنِّعْمَةِ هُنَا:
مَا جَاءَهُمْ مِنَ الْآيَاتِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: النِّعْمَةُ هُنَا: الْإِسْلَامُ، وَالظَّاهِرُ دُخُولُ كُلِّ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، فَوَقَعَ مِنْهُ التَّبْدِيلُ لَهَا، وَعَدَمُ الْقِيَامِ بِشُكْرِهَا- وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنُ السِّيَاقِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ كَوْنُهُمُ السَّبَبَ فِي النُّزُولِ، لِمَا تَقَرَّرَ: مِنْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَفِي قَوْلِهِ: فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ مِنَ التَّرْهِيبِ وَالتَّخْوِيفِ مَا لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ. قَوْلُهُ:
زُيِّنَ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ، وَالْمُزَيِّنُ: هُوَ الشَّيْطَانُ، أَوِ الْأَنْفُسُ الْمَجْبُولَةُ عَلَى حُبِّ الْعَاجِلَةِ. وَالْمُرَادُ بِالَّذِينِ كَفَرُوا: رُؤَسَاءُ قُرَيْشٍ، أَوْ كُلُّ كَافِرٍ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ، وَحَمِيدُ بْنُ قَيْسٍ: زُيِّنَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَعْلُومِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهِيَ قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْفَاعِلِ ذِكْرٌ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: زُيِّنَتْ، وَإِنَّمَا خَصَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ- مَعَ كَوْنِ الدُّنْيَا مُزَيَّنَةً لِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ كَمَا وَصَفَ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ جَعَلَ مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِيَبْلُوَ الْخَلْقَ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا- لِأَنَّ الْكَافِرَ افْتُتِنَ بِهَذَا التَّزْيِينِ، وَأَعْرَضَ عَنِ الْآخِرَةِ، وَالْمُسْلِمُ لَمْ يُفْتَتَنْ بِهِ، بَلْ أَقْبَلَ عَلَى الْآخِرَةِ. قَوْلُهُ: وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّ أُولَئِكَ الْكُفَّارَ يَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا لِكَوْنِهِمْ فُقَرَاءَ لَا حَظَّ لَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا كَحَظِّ رُؤَسَاءِ الْكُفْرِ وَأَسَاطِينِ الضَّلَالِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عَرَضَ الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ هُوَ الْأَمْرُ الَّذِي يَكُونُ مَنْ نَالَهُ سَعِيدًا رَابِحًا. وَمَنْ حُرِمَهُ شَقِيًّا خَاسِرًا.
وَقَدْ كَانَ غَالِبُ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ ذَاكَ فَقُرَاءَ لِاشْتِغَالِهِمْ بِالْعِبَادَةِ وَأَمْرِ الْآخِرَةِ، وَعَدَمِ الْتِفَاتِهِمْ إِلَى الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا. وَحَكَى الْأَخْفَشُ أَنَّهُ يُقَالُ: سَخِرْتُ مِنْهُ وَسَخِرْتُ بِهِ، وَضَحِكْتُ مِنْهُ وَضَحِكْتُ بِهِ، وَهَزَأْتُ مِنْهُ وَهَزَأْتُ بِهِ، وَالِاسْمُ: السُّخْرِيَةُ وَالسُّخْرِيُّ. وَلَمَّا وَقَعَ مِنَ الْكُفَّارِ مَا وَقَعَ مِنَ السُّخْرِيَةِ بِالْمُؤْمِنِينَ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ:
وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالْمُرَادُ بِالْفَوْقِيَّةِ هُنَا: الْعُلُوُّ فِي الدَّرَجَةِ، لِأَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَالْكَفَّارُ فِي النَّارِ- وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْفَوْقِ: الْمَكَانُ، لِأَنَّ الْجَنَّةَ فِي السَّمَاءِ، وَالنَّارَ فِي أَسْفَلِ سَافِلِينَ، أَوْ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمُ الْغَالِبُونَ فِي الدُّنْيَا، كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَسُقُوطِ الْكُفْرِ، وَقَتْلِ أَهْلِهِ، وَأَسْرِهِمْ وَتَشْرِيدِهِمْ، وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِ الْآيَةِ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ لَوْلَا التَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَوْلُهُ: وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فيها إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ سَيَرْزُقُ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُوَسِّعُ عَلَيْهِمْ، وَيَجْعَلُ مَا يُعْطِيهِمْ مِنَ الرِّزْقِ بِغَيْرِ حِسَابٍ، أَيْ: بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يُوَسِّعُ عَلَى بَعْضِ عِبَادِهِ فِي الرِّزْقِ، كَمَا وَسَّعَ عَلَى أُولَئِكَ الرُّؤَسَاءِ مِنَ الْكُفَّارِ اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ، وَلَيْسَ فِي التَّوْسِعَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ وُسِّعَ عَلَيْهِ فَقَدْ رَضِيَ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِغَيْرِ حِسَابٍ مِنَ الْمَرْزُوقِينَ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [1] . قَوْلُهُ: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً أَيْ: كَانُوا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَحْذُوفِ أَعْنِي: قَوْلَهَ: فَاخْتَلَفُوا، قراءة ابن مسعود، فإنه قرأ:

[1] الطلاق: 3.
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 244
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست