responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 220
إِلَى الْكُفْرِ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْفِتْنَةِ: الْمِحْنَةُ الَّتِي تَنْزِلُ بِالْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ عِرْضِهِ وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْفِتْنَةِ: الشِّرْكُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعْظِمُونَ الْقَتْلَ فِي الْحَرَمِ، فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ أَنَّ الشِّرْكَ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ أَشَدُّ مِمَّا يَسْتَعْظِمُونَهُ وَقِيلَ: الْمُرَادُ: فِتْنَتُهُمْ إِيَّاكُمْ بِصَدِّكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَشَدُّ مِنْ قَتْلِكُمْ إِيَّاهُمْ فِي الْحَرَمِ، أَوْ مِنْ قَتْلِهِمْ إِيَّاكُمْ إِنْ قَتَلُوكُمْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ: الْفِتْنَةُ فِي الدِّينِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ، وَعَلَى أَيِّ صُورَةٍ اتَّفَقَتْ، فَإِنَّهَا أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ. قَوْلُهُ: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الْآيَةَ، اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ فِي الْحَرَمِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَتَعَدَّى بِالْقِتَالِ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهُ بِالْمُقَاتَلَةِ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [1] وَيُجَابُ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ: بِأَنَّ الْجَمْعَ مُمْكِنٌ بِبِنَاءِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، فَيُقْتَلُ الْمُشْرِكُ حَيْثُ وُجِدَ إِلَّا بِالْحَرَمِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ. وَقَدِ احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ: بِقَتْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ خَطَلٍ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ وَقَعَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ الَّتِي أَحَلَّ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ: فَإِنِ انْتَهَوْا أَيْ: عَنْ قِتَالِكُمْ وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ فِيهِ الْأَمْرُ بِمُقَاتَلَةِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى غَايَةٍ، هِيَ: أَنْ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَأَنْ يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ، وَهُوَ الدُّخُولُ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْخُرُوجُ عَنْ سَائِرِ الْأَدْيَانِ الْمُخَالِفَةِ لَهُ، فَمَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَقْلَعَ عَنِ الشِّرْكِ لَمْ يَحِلَّ قِتَالُهُ، قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْفِتْنَةِ هُنَا: الشِّرْكُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا الْفِتْنَةُ فِي الدِّينِ عَلَى عُمُومِهَا كَمَا سَلَفَ. قَوْلُهُ: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ أَيْ: لَا تَعْتَدُوا إِلَّا عَلَى مَنْ ظَلَمَ وَهُوَ مَنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنِ الْفِتْنَةِ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ: عُدْوَانًا مُشَاكَلَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [2] وَقَوْلُهُ: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ [3] .
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْآيَةَ، أَنَّهَا أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُقَاتِلُ مَنْ قَاتَلَهُ، وَيَكُفُّ عَمَّنْ كَفَّ عَنْهُ، حَتَّى نَزَلَتْ سُورَةُ بَرَاءَةٌ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ أُمِرُوا بِقِتَالِ الْكُفَّارِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَعْتَدُوا يَقُولُ: لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ والصبيان والشيخ الكبير ولا من ألقى السلام وَكَفَّ يَدَهُ، فَإِنْ فَعَلْتُمْ فَقَدِ اعْتَدَيْتُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ:
وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ يَقُولُ: الشِّرْكُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: ارْتِدَادُ الْمُؤْمِنِ إِلَى الْوَثَنِ أَشُدُّ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَقْتُلَ مُحِقًّا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي نَاسِخِهِ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ قال: حتى يبدؤوا بِالْقِتَالِ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي نَاسِخِهِ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وقوله:
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [4] فَكَانَ كَذَلِكَ حَتَّى نَسَخَ هَاتَيْنِ الآيتين

[1] التوبة: 9.
[2] الشورى: 40.
[3] البقرة: 194.
[4] البقرة: 217.
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 220
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست