responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 202
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مُجْمَلٌ وَالْآيَةُ مُبَيِّنَةٌ، وَلَكِنَّهُ يُقَالُ: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:
الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ إِنَّمَا أَفَادَ بِمَنْطُوقِهِ أَنَّ الْحُرَّ يُقْتَلُ بِالْحُرِّ، وَالْعَبْدَ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ إِلَّا بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ، فَمَنْ أَخَذَ بِمِثْلِ هَذَا الْمَفْهُومِ لَزِمَهُ الْقَوْلُ بِهِ هُنَا، وَمَنْ لَمْ يَأْخُذْ بِمِثْلِ هَذَا الْمَفْهُومِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَوْلُ بِهِ هُنَا، وَالْبَحْثُ فِي هَذَا مُحَرَّرٌ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْقَائِلُونَ بِأَنْ الْمُسْلِمَ يُقْتَلُ بِالْكَافِرِ، وَهُمُ الْكُوفِيُّونَ وَالثَّوْرِيُّ، لِأَنَّ الْحُرَّ يَتَنَاوَلُ الْكَافِرَ كَمَا يَتَنَاوَلُ الْمُسْلِمَ، وَكَذَا الْعَبْدُ وَالْأُنْثَى يَتَنَاوَلَانِ الْكَافِرَ كَمَا يَتَنَاوَلَانِ الْمُسْلِمَ. وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ لِأَنَّ النَّفْسَ تَصْدُقُ عَلَى النَّفْسِ الْكَافِرَةِ، كَمَا تَصْدُقُ عَلَى النَّفْسِ الْمُسْلِمَةِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ مِنَ السُّنَّةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَهُوَ مُبَيِّنٌ لِمَا يُرَادُ فِي الْآيَتَيْنِ، وَالْبَحْثُ فِي هَذَا يَطُولُ. وَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْقَائِلُونَ: بِأَنَّ الذَّكَرَ لَا يُقْتَلُ بِالْأُنْثَى، وَقَرَّرُوا الدَّلَالَةَ عَلَى ذَلِكَ بِمِثْلِ مَا سَبَقَ إِلَّا إِذَا سَلَّمَ أَوْلِيَاءُ الْمَرْأَةِ الزِّيَادَةَ عَلَى دِيَتِهَا مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَلَا زِيَادَةَ، وَهُوَ الْحَقُّ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْبَحْثَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَقَى فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ. قَوْلُهُ: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ «مَنْ» هُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الْقَاتِلِ. وَالْمُرَادُ بِالْأَخِ: الْمَقْتُولُ، أَوِ الْوَلِيُّ، وَالشَّيْءُ: عِبَارَةٌ عَنِ الدَّمِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْقَاتِلَ أَوِ الْجَانِيَ إِذَا عُفِيَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، أَوِ الْوَلِيِّ، دَمٌ أَصَابَهُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا مِنَ الدِّيَةِ أَوِ الأرش، فليتبع المجني عليه أو الْوَلِيَّ مَنْ عَلَيْهِ الدَّمُ فِيمَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ اتِّبَاعًا بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيُؤَدِّ الْجَانِي مَا لَزِمَهُ مِنَ الدِّيَةِ أَوِ الْأَرْشِ إِلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، أَوْ إِلَى الْوَلِيِّ أَدَاءً بِإِحْسَانٍ وَقِيلَ: إن «من» عبارة عن الوليّ، والأخ: يُرَادُ بِهِ الْقَاتِلُ، وَالشَّيْءُ:
الدِّيَةُ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْوَلِيَّ إِذَا جَنَحَ إِلَى الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ إِلَى مُقَابِلِ الدِّيَةِ، فَإِنَّ الْقَاتِلَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهَا أَوْ يُسَلِّمَ نَفْسَهُ لِلْقَصَاصِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْقَاتِلِ فِي ذَلِكَ وَذَهَبَ مَنْ عَدَاهُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُخَيَّرُ، بَلْ إِذَا رَضِيَ الْأَوْلِيَاءُ بِالدِّيَةِ فَلَا خِيَارَ لِلْقَاتِلِ، بَلْ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا وَقِيلَ: مَعْنَى: عُفِيَ بُذِلَ. أَيْ:
مَنْ بُذِلَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الدِّيَةِ، فَلْيَقْبَلْ وَلْيَتَّبِعْ بِالْمَعْرُوفِ وَقِيلَ: إِنِ الْمُرَادَ بِذَلِكَ: أَنَّ مَنْ فَضُلَ لَهُ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى شَيْءٌ مِنَ الدِّيَاتِ، فَيَكُونُ عُفِيَ بِمَعْنَى: فَضُلَ، وَعَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ فَتَنْكِيرُ شَيْءٌ لِلتَّقْلِيلِ، فَيَتَنَاوَلُ الْعَفْوَ عَنِ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ مِنَ الدِّيَةِ، وَالْعَفْوَ الصَّادِرَ عَنْ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْوَرَثَةِ. وَقَوْلُهُ: فَاتِّباعٌ مُرْتَفِعٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: فَلْيَكُنْ مِنْهُ اتِّبَاعٌ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: فَالْأَمْرُ اتِّبَاعٌ، وكذا قوله: وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ. قوله: ذلِكَ تَخْفِيفٌ إِشَارَةٌ إِلَى الْعَفْوِ وَالدِّيَةِ، أَيْ: أَنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْعَفْوَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ أَوْ بَعُوضٍ، وَلَمْ يُضَيِّقْ عَلَيْهِمْ كَمَا ضَيَّقَ عَلَى الْيَهُودِ، فَإِنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهِمُ الْقِصَاصَ، وَلَا عَفْوَ وَكَمَا ضَيَّقَ عَلَى النَّصَارَى فَإِنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهِمُ الْعَفْوَ وَلَا دِيَةَ. قَوْلُهُ: فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ أَيْ: بَعْدِ التَّخْفِيفِ، نَحْوَ: أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ ثُمَّ يَقْتُلَ الْقَاتِلَ، أو يعفو ثم يستقص. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ قَتَلَ الْقَاتِلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ. فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إِنَّهُ كَمَنْ قَتَلَ ابْتِدَاءً، إِنْ شَاءَ الْوَلِيُّ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمْ عَذَابُهُ أَنْ يُقْتَلَ أَلْبَتَّةَ، وَلَا يُمَكِّنَ الْحَاكِمُ الْوَلِيَّ مِنَ الْعَفْوِ. وقال

اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 202
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست