responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 172
وَقِيلَ: إِنَّ الصِّبْغَةَ: الِاغْتِسَالُ لِمَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ بَدَلًا مِنْ مَعْمُودِيَّةِ النَّصَارَى، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: صِبْغَةُ اللَّهِ: دِينُهُ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ عَنِ الْفَرَّاءِ وَقِيلَ: الصِّبْغَةُ: الْخِتَانُ. وَقَوْلُهُ: قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ أَيْ: أَتُجَادِلُونَنَا فِي اللَّهِ، أَيْ: فِي دِينِهِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ وَالْحُظْوَةِ عِنْدَهُ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [1] وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: أَتُحَاجُّونَا بِالْإِدْغَامِ لِاجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ أَيْ: نَشْتَرِكُ نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِي رُبُوبِيَّتِهِ لَنَا وَعُبُودِيَّتِنَا لَهُ، فَكَيْفَ تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ أَوْلَى بِهِ مِنَّا وَتُحَاجُّونَنَا فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ أَيْ: لَنَا أَعْمَالٌ وَلَكُمْ أَعْمَالٌ، فَلَسْتُمْ بِأَوْلَى بِاللَّهِ مِنَّا، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [2] .
وَقَوْلُهُ: وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ أَيْ: نَحْنُ أَهْلُ الْإِخْلَاصِ لِلْعِبَادَةِ دُونَكُمْ، وَهُوَ الْمِعْيَارُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ التَّفَاضُلُ وَالْخَصْلَةُ الَّتِي يَكُونُ صَاحِبُهَا أَوْلَى بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ غَيْرِهِ، فَكَيْفَ تَدَّعُونَ لِأَنْفُسِكُمْ مَا نَحْنُ أَوْلَى بِهِ مِنْكُمْ وَأَحَقُّ؟
وَفِيهِ تَوْبِيخٌ لَهُمْ وَقَطْعٌ لِمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْمُجَادَلَةِ وَالْمُنَاظَرَةِ. وَقَوْلُهُ: أَمْ يَقُولُونَ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ تَقُولُونَ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ تَكُونُ أَمْ هَاهُنَا مُعَادِلَةً لِلْهَمْزَةِ فِي قَوْلِهِ:
أَتُحَاجُّونَنا أَيْ: أَتُحَاجُونَنَا فِي اللَّهِ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءَ عَلَى دِينِكُمْ وَعَلَى قِرَاءَةِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ تَكُونُ أَمْ: مُنْقَطِعَةً، أَيْ: بَلْ يَقُولُونَ: وَقَوْلُهُ: قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ فِيهِ تَقْرِيعٌ وَتَوْبِيخٌ، أَيْ: أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَنَا بِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا هُودًا وَلَا نَصَارَى، وَأَنْتُمْ تَدَّعُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا هُودًا ونصارى، فَهَلْ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ؟
وَقَوْلُهُ: وَمَنْ أَظْلَمُ اسْتِفْهَامٌ، أَيْ: لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الذَّمَّ لِأَهْلِ الْكِتَابِ بِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءَ مَا كَانُوا هُودًا وَلَا نَصَارَى، بَلْ كَانُوا عَلَى الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، فَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِكَتْمِهِمْ لِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، بَلْ بِادِّعَائِهِمْ لِمَا هُوَ مُخَالِفٌ لَهَا، وَهُوَ أَشَدُّ فِي الذَّنْبِ مِمَّنِ اقْتَصَرَ عَلَى مُجَرَّدِ الْكَتْمِ الَّذِي لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَوْ كَتَمُوا هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَظْلَمَ مِنْهُمْ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ التَّعْرِيضَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ هُنَا مَا كَتَمُوهُ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي قَوْلِهِ: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وَعِيدٌ شَدِيدٌ، وَتَهْدِيدٌ لَيْسَ عَلَيْهِ مَزِيدٌ، وَإِعْلَامٌ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يَتْرُكُ عُقُوبَتَهُمْ عَلَى هَذَا الظُّلْمِ الْقَبِيحِ وَالذَّنْبِ الْفَظِيعِ، وَكَرَّرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى التَّهْدِيدِ وَالتَّخْوِيفِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْمَقَامِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ يَعْنِي: أَهْلَ الْكِتَابِ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ قَالَ: يَقُولُ: لَمْ يَشْهَدِ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى وَلَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَعْقُوبَ إِذْ أَخَذَ عَلَى بَنِيهِ الْمِيثَاقَ إِذْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ، فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ وَشَهِدَ عَلَيْهِمْ أَنْ قَدْ أَقَرُّوا بِعِبَادَتِهِمْ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ. وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْجِدُّ: أَبٌ وَيَتْلُو الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي الْآيَةِ قَالَ: سُمِّيَ الْعَمُّ أَبًا. وَأَخْرَجَ أَيْضًا نَحْوَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَا الْأَعْوَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَا الْهُدَى إِلَّا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ فَاتَّبِعْنَا يا محمد تهتد، وقالت النصارى مثل هذا، فأنزل الله فيهم: وَقالُوا كُونُوا هُوداً

[1] المائدة: 18.
[2] يونس: 41. [.....]
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 172
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست