responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 130
أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْكُمْ بِما لَا يُوَافِقُ مَا تَهْوَوْنَهُ اسْتَكْبَرْتُمْ عَنْ إِجَابَتِهِ احْتِقَارًا لِلرُّسُلِ وَاسْتِبْعَادًا لِلرِّسَالَةِ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: أَفَكُلَّما لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ آتَيْنَاكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَا آتَيْنَاكُمْ أَفَكُلَمَّا جَاءَكُمْ رَسُولٌ. وفريقا مَنْصُوبٌ بِالْفِعْلِ الَّذِي بَعْدَهُ وَالْفَاءُ لِلتَّفْصِيلِ، وَمِنَ الْفَرِيقِ الْمُكَذَّبِينَ: عِيسَى وَمُحَمَّدٌ، وَمِنَ الْفَرِيقِ الْمَقْتُولِينَ: يَحْيَى وَزَكَرِيَّا. وَالْغُلْفُ: جَمْعُ أَغْلَفَ، الْمُرَادُ بِهِ هُنَا: الَّذِي عَلَيْهِ غِشَاوَةٌ تَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْكَلَامِ إِلَيْهِ، وَمِنْهُ غَلَّفْتُ السَّيْفَ: أَيْ جَعَلْتُ لَهُ غُلَافًا. قَالَ فِي الْكَشَّافِ: هُوَ مُسْتَعَارٌ مِنَ الْأَغْلَفِ الَّذِي لَمْ يُخْتَنْ كَقَوْلِهِ: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ [1] وَقِيلَ: إِنَّ الْغُلْفَ جَمْعُ غِلَافٍ مِثْلَ حِمَارٍ وَحُمْرٍ: أَيْ قُلُوبُنَا أَوْعِيَةٌ لِلْعِلْمِ فَمَا بَالَهَا لَا تَفْهَمُ عَنْكَ، وَقَدْ وَعَيْنَا عِلْمًا كَثِيرًا، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا قَالُوهُ فَقَالَ: بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ وَأَصْلُ اللَّعْنِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّمَّاخِ:
ذَعَرْتُ بِهِ الْقَطَا وَنَفَيْتُ عَنْهُ ... مَقَامَ الذِّئْبِ كَالرَّجُلِ اللَّعِينِ
أَيْ كَالرَّجُلِ الْمَطْرُودِ. وَالْمَعْنَى: أَبْعَدَهُمُ اللَّهُ مِنْ رَحْمَتِهِ. وَ (قَلِيلًا) نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ إِيمَانًا قليلا ما يُؤْمِنُونَ وما زَائِدَةٌ، وَصَفَ إِيمَانَهُمْ بِالْقِلَّةِ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ عِنَادِهِمْ وَعَجْرَفَتِهِمْ وَشِدَّةِ لُجَاجِهِمْ، وَبُعْدِهِمْ عَنْ إِجَابَةِ الرُّسُلِ مَا قَصَّهُ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَيَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: الْمَعْنَى لَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ وَيَكْفُرُونَ بِأَكْثَرِهِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَلِيلًا مَنْصُوبًا بِنَزْعِ الْخَافِضِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَعْنَاهُ لَا يُؤْمِنُونَ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا. قَالَ الْكِسَائِيُّ: تَقُولُ الْعَرَبُ مَرَرْنَا بِأَرْضٍ قَلَّ مَا تُنْبِتُ الْكُرَّاثَ وَالْبَصَلَ أَيْ لَا تُنْبِتُ شَيْئًا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يَعْنِي بِهِ التَّوْرَاةَ جُمْلَةً وَاحِدَةً مُفَصَّلَةً مُحْكَمَةً وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ يَعْنِي رَسُولًا يُدْعَى أَشَمْوِيلَ بْنَ بَابِلَ، وَرَسُولًا يُدْعَى مَنْشَابِيلَ، وَرَسُولًا يُدْعَى شَعْيَاءَ، وَرَسُولًا يُدْعَى حِزْقِيلَ، وَرَسُولًا يُدْعَى أَرْمِيَاءَ وَهُوَ الْخَضِرُ، وَرَسُولًا يُدْعَى دَاوُدَ وَهُوَ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَرَسُولًا يُدْعَى الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَهَؤُلَاءِ الرُّسُلُ ابْتَعَثَهُمُ اللَّهُ وَانْتَخَبَهُمْ مِنَ الْأُمَّةِ بَعْدَ مُوسَى فَأَخَذْنَا عَلَيْهِمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا، أَنْ يُؤَدُّوا إِلَى أُمَّتِهِمْ صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِفَةَ أُمَّتِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ قَالَ: هِيَ الْآيَاتُ الَّتِي وَضَعَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَخَلْقِهِ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، وَإِبْرَاءِ الْأَسْقَامِ. وَالْخَبَرِ بِكَثِيرٍ مِنَ الْغُيُوبِ، وما رد عليهم من التوراة مع الإنجيل الَّذِي أَحْدَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَأَيَّدْناهُ قَالَ:
قَوَّيْنَاهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: رُوحٌ مِنَ الْقُدُسِ الِاسْمُ الَّذِي كَانَ عِيسَى يُحْيِي بِهِ الْمَوْتَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْقُدُسُ: اللَّهُ تَعَالَى. وَأَخْرَجَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْقُدُسُ: الطُّهْرُ. وَأَخْرَجَ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: الْقُدُسُ: الْبَرَكَةُ. وَأَخْرَجَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ أَنَّ رُوحَ الْقُدُسِ: جِبْرِيلُ. وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخُ فِي الْعَظَمَةِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رُوحُ الْقُدُسِ جِبْرِيلُ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللهمّ أيّد حسان بروح

[1] فصلت: 5.
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 130
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست