اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 575
في كل النصارى أم خاص؟ فيه قولان: أحدهما: أنه خاص، ثم فيه قولان: أحدهما: أنه أراد النجاشي وأصحابه لما أسلموا، قاله ابن عباس وابن جبير. والثاني: أنهم قوم من النصارى كانوا متمسّكين بشريعة عيسى، فلما جاء محمد عليه السلام أسلموا، قاله قتادة. والقول الثاني: أنه عام. قال الزجاج:
يجوز أن يراد به النصارى لأنهم كانوا أقلَّ مظاهرةً للمشركين من اليهود.
قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً قال الزجاج: «القس» و «القسيس» من رؤساء النصارى. وقال قطرب: القسيس: العالم بلغة الروم، فأما الرهبان: فهم العباد أرباب الصوامع. قال ابن فارس: الترهّب: التعبّد، فان قيل: كيف مدحهم بأن منهم قسيسين ورهبانا وليس ذلك من أمرِ شريعتنا؟ فالجواب: أنه مدحهم بالتمسّك بدين عيسى حين استعملوا في أمر محمد ما أخذ عليهم في كتابهم، وقد كانت الرهبانية مستحسنة في دينهم. والمعنى: بأن فيهم علماء بما أوصى به عيسى من أمر محمّد صلّى الله عليه وسلّم. قال القاضي أبو يعلى: وربما ظن جاهلٌ أن في هذه الآية مدح النصارى، وليس كذلك، لأنه إِنما مدح مَن آمن منهم، ويدل عليه ما بعد ذلك، ولا شك أن مقالة النصارى أقبح من مقالة اليهود.
قوله تعالى: وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ، أي: لا يتكبرون عن إتباع الحق.
قوله تعالى: وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ.
(457) قال ابن عباس: لمّا حضر أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين يدي النّجاشيّ، وقرءوا القرآن، سمع ذلك القسيسون والرهبان، فانحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق، فقال الله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ إلى قوله تعالى: الشَّاهِدِينَ.
(458) وقال سعيد بن جبير: بعث النجاشي من خيار أصحابه ثلاثين رجلاً إِلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأ عليهم القرآن، فبكوا ورقُّوا، وقالوا: نعرف والله، وأسلموا، وذهبوا إِلى النجاشي فأخبروه فأسلم، فأنزل الله فيهم وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ ... الآية.
(459) وقال السدي: كانوا اثني عشر رجلاً سبعة من القسيسين، وخمسة من الرّهبان، فلمّا قرأ عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القرآن، بكوا وآمنوا، فنزلت هذه الآية فيهم [1] .
حسن. أخرجه الطبري 12320 من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بأتم منه، ورجاله ثقات، لكن فيه إرسال بين علي وابن عباس. وله شاهد عن عبد الله بن الزبير، أخرجه النسائي في «التفسير» 168 والطبري 12330، وله شاهد من مرسل عطاء، أخرجه الطبري 12322.
مرسل. أخرجه الطبري 12318 عن خصيف الجزري عن سعيد بن جبير مرسلا.
- وكرره برقم 12328 عن سالم الأفطس عن سعيد به.
مرسل. أخرجه الطبري 12321 بأتم منه عن السدي مرسلا، والمرسل من قسم الضعيف. وله شاهد عن أبي صالح، أخرجه الطبري 12326 وهو مرسل، وفيه راو لم يسمّ. الخلاصة: هذه الروايات جميعا تتأيد بمجموعها، فيكون النجاشي وأصحابه الذين آمنوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم من هؤلاء، ويدخل في ذلك كل من اتصف بذلك من أهل الكتاب، وأصح ما في الباب حديث ابن الزبير وابن عباس. وانظر التعليق الآتي. [1] قال الطبري رحمه الله في «جامع البيان» 5/ 5: والصواب في ذلك من القول عندي: أن الله تعالى وصف صفة قوم قالوا: إِنَّا نَصارى، أن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم يجدهم أقرب الناس ودادا لأهل الإيمان بالله ورسوله، ولم يسمّ لنا أسماءهم، وقد يجوز أن يكون أريد بذلك أصحاب النجاشي، ويجوز أن يكونوا قوما كانوا على شريعة عيسى، فأدركهم الإسلام فأسلموا لما سمعوا القرآن وعرفوا أنه الحق، ولم يستكبروا عنه.
اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 575