اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 541
إِبل الصدقة، وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا، فصحوا، وارتدوا عن الاسلام، وقتلوا الراعي، واستاقوا الإِبل، فأرسل رسول الله في آثارهم، فجيء بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمَّر أعينهم، وألقاهم بالحرَّة حتى ماتوا، ونزلت هذه الآية، رواه قتادة عن أنس، وبه قال سعيد بن جبير، والسدي.
(420) والثاني: أن قوماً من أهل الكتاب كان بينهم وبين النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عهد وميثاق، فنقضوا العهد، وأفسدوا في الأرض، فخيّر الله رسوله بهذه الآية: إِن شاء أن يقتلهم، وإِن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.
(421) والثالث: أن أصحاب أبي بُردة الأسلمي قطعوا الطريق على قوم جاءوا يريدون الاسلام، فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
(422) وقال ابن السائب: كان أبو بردة، واسمه هلال بن عويمر، وادع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على أن لا يعينه ولا يعين عليه، ومن أتاه من المسلمين لم يُهَجْ، ومن مرّ بهلال إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يُهِجْ، فمرّ قوم من بني كنانة يريدون الاسلام بناسٍ من قوم هلال، فَنَهَدُوا إِليهم، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، ولم يكن هلال حاضراً، فنزلت هذه الآية.
والرابع: أنها نزلت في المشركين، رواه عكرمة عن ابن عباس وبه قال الحسن [1] .
واعلم أن ذكر «المحاربة» لله عزّ وجلّ في الآية مجاز. وفي معناها للعلماء قولان: أحدهما: أنه سمّاهم محاربين له تشبيهاً بالمحاربين حقيقة، لأن المخالف محارب، وإِن لم يحارب. فيكون المعنى:
ضعيف. أخرجه الطبري 11807 عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس به، وفيه إرسال، علي لم يسمع من ابن عباس. وورد عن الضحاك مرسلا، أخرجه الطبري 11808 وفيه جويبر بن سعيد وهو متروك.
عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس، وراوية أبي صالح هو الكلبي، وهو متهم بالوضع، فحديثه لا شيء.
عزاه المصنف لابن السائب وهو الكلبي، واسمه محمد، وهو ساقط متهم، فخبره باطل. [1] قال الإمام الطبري رحمه الله 4/ 549: وأولى الأقوال في ذلك عندي أن يقال: أنزل الله هذه الآية على نبيه معرّفة حكمه على من حارب الله ورسوله، وسعى في الأرض فسادا، بعد الذي كان من فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالعرنيين ما فعل.
وقال الإمام ابن العربي رحمه الله في «أحكام القرآن» 2/ 93: من قال: إنها نزلت في المشركين أقرب إلى الصواب لأن عكلا وعرينة ارتدّوا وقتلوا وأفسدوا، ولكن يبعد، لأن الكفار لا يختلف حكمهم في زوال العقوبة عنهم بالتوبة بعد القدرة. وقد قيل للكفار قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ. وقد قال في المحاربين: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ وكذلك المرتد. يقتل بالردة دون المحاربة، فثبت أنها لا يراد بها المشركون ولا المرتدون فلو ثبت أن هذه الآية نزلت في شأن عكل أو عرينة لكان غرضا ثابتا، ونصا صريحا. وإنما ترك النبي صلّى الله عليه وسلّم استتابة العرنيين لما أحدثوا من القتل والمثلة والحرب، وإنما يستتاب المرتد الذي يرتاب فيستريب به ويرشد ويبيّن له المشكل.
اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 541