اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 391
تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ وقال: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ يعني: الحرائر. والمحصنات: العفائف. قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ يعني العفائف وقال تعالى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها أي: عفّت. وفي المراد بالمحصنات هنا ثلاثة أقوال: أحدها: ذوات الأزواج. وهذا قول ابن عباس. وسعيد بن المسيب والحسن، وابن جبير، والنخعي، وابن زيد، والفراء، وابن قتيبة، والزجاج. والثاني: العفائف: فإنهن حرام على الرجال إلا بعقد نكاح، أو ملك يمين. وهذا قول عمر بن الخطاب، وأبي العالية، وعطاء، وعبيدة، والسدي. والثالث: الحرائر، فالمعنى: أنهن حرام بعد الأربع اللواتي ذُكِرْنَ في أول السورة، روي عن ابن عباس، وعبيدة.
فعلى القول الأول في معنى قوله تعالى: إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ قولان: أحدهما: أن معناه:
إِلاَّ ما ملكت أيمانكم من السبايا في الحروب، وعلى هذا تأوَّلَ الآية عليٌ، وعبد الرحمن بن عوف، وابن عمر، وابن عباس، وكان هؤلاء لا يرون بيع الأمة طلاقاً. والثاني: إِلا ما ملكت أيمانكم من الإِماء ذوات الأزواج، بسبي أو غير سبي، وعلى هذا تأوَّلَ الآية ابنُ مسعود، وأُبيُّ بن كعب، وجابر، وأنس.
وكان هؤلاء يرون بيع الأمة طلاقاً. وقد ذكر ابن جرير، عن ابن عباس، وسعيد بن المسيب، والحسن:
أنهم قالوا: بيع الأمة طلاقها، والأول أصح.
(269) لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم خيّر بريرة إِذ أعتقتها عائشة، بين المقام مع زوجها الذي زوَّجها منه سادتُها في حال رقّها، وبين فراقه، ولم يجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم عتق عائشة إِيّاها طلاقاً، ولو كان طلاقاً لم يكن لتخييره إِياها معنى. ويدل على صحة القول الأول ما ذكرناه من سبب نزول الآية.
وعلى القول الثاني: العفائف حرام إِلا بملك، والملك يكون عقداً، ويكون ملك يمين.
وعلى القول الثالث: الحرائِر حرام بعد الأربع إِلا ما ملكت أيمانكم من الإِماء، فانهن لم يُحصَرن بعدد.
قوله تعالى: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ قال الزجاج: هو منصوب على التوكيد، محمول على المعنى، لأن معنى «حرمت عليكم أمهاتكم» : كتب الله عليكم هذا كتاباً، قال: ويجوز أن ينتصبَ على جهة الأمر، ويكون «عليكم» مفسراً له، فيكون المعنى: إلزموا كتاب الله. قال: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أي: ما بعد هذه الأشياء، إِلا أن السُّنة قد حرَّمت تزويج المرأة على عمتها، وتزويجها على خالتها [1] .
وقرأ ابن السميفع، وأبو عمران: «كتب الله عليكم» بفتح الكاف، والتاء، والباء، من غير ألف، ورفع
صحيح. أخرجه البخاري 2578 ومسلم 1504 وأبو داود 2916 والنسائي 6/ 162 وأحمد 6/ 45- 46 والبيهقي 6/ 161 والبغوي 1611 وابن حبان 4269 من طرق كلهم عن عائشة رضي الله عنها قالت: «اشتريت بريرة، فاشترط أهلها ولاءها، فذكرت ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: أعتقيها، فإن الولاء لمن أعطى الورق، فأعتقتها، فدعاها النبي صلّى الله عليه وسلّم فخيرها من زوجها فقالت لو أعطاني كذا وكذا ما ثبت عنده. فاختارت نفسها» . وله شاهد من حديث ابن عباس. أخرجه البخاري 2581 و 2582 والترمذي 1156. [1] هو الآتي.
اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 391