اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 245
قوله تعالى: لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا، لما حثهم على الصدقات والنفقات، دلهم على خير من تُصدّق عليه. وقد تقدم تفسير الإحصار عند قوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ [1] .
وفي المراد ب الَّذِينَ أُحْصِرُوا أربعة أقوال: أحدها: أنهم أهل الصفة حبسوا أنفسهم على طاعة الله، ولم يكن لهم شيء، قاله ابن عباس، ومقاتل. والثاني: أنهم فقراء المهاجرين، قاله مجاهد.
والثالث: أنهم قوم حبسوا أنفسهم على الغزو، فلا يقدرون على الاكتساب، قاله قتادة. والرابع: أنهم قوم أصابتهم جراحات مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فصاروا زمنى. قاله سعيد بن جبير، واختاره الكسائي، وقال:
أحصروا من المرض، ولو أراد الحبس، لقال: حُصروا، وإنما الإحصار من الخوف، أو المرض.
والحصر: الحبس في غيرهما. وفي سبيل الله قولان: أحدهما: أنه الجهاد. والثاني: الطاعة. وفي الضرب في الأرض قولان: أحدهما: أنه الجهاد لم يمكنهم لفقرهم، نقل عن ابن عباس. والثاني:
الكسب، قاله قتادة. وفي الذي منعهم من ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: الفقر، قاله ابن عباس. والثاني:
أمراضهم، قاله ابن جبير، وابن زيد. والثالث: التزامهم بالجهاد، قاله الزجاج.
قوله تعالى: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ، قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والكسائي: «يحسبهم» و «يَحْسِبَنَّ» بكسر السين في جميع القرآن. وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، بفتح السين في الكل. قال أبو علي: فتح السين أقيس، لأن الماضي إذا كان على «فَعِلَ» ، نحو: حسب، كان المضارع على «يفعل» ، مثل: فرق يفرق، وشرب يشرب، والكسر حسن لموضع السمع. قال ابن قتيبة: لم يرد الجهل الذي هو ضد العقل، إنما أراد الجهل الذي هو ضد الخُبْر، فكأنه قال: يحسبهم من لا يخبرُ أمرهم. والتعفف: ترك السؤال، يقال: عف عن الشيء وتعفّف. والسيما: العلامة التي يعرف بها الشيء، وأصله من السمة. وفي المراد بسيماهم ثلاثة أقوال: أحدها: تجملهم، قاله ابن عباس.
والثاني: خشوعهم، قاله مجاهد. والثالث: أثر الفقر عليهم، قاله السدي والربيع بن أنس. وهذا يدل على أن للسيما حكماً يتعلق بها. قال إمامنا أحمد في الميت يوجد في دار الحرب، ولا يعرف أمره:
ينظر إلى سيماه، فإن كان عليه سِيما الكفار من عدم الختان، حكم له بحكمهم، فلم يدفن في مقابر المسلمين، ولم يصل عليه، وإن كان عليه سيما المسلمين حكم له بحكمهم [2] . فأما الإلحاف، فهو:
الإلحاح، قال ابن قتيبة: يقال: ألحف في المسأله: إذا ألح، وقال الزجاج: معنى ألحف: شَمِل بالمسألة، ومنه اشتقاق اللحاف، لأنه يشمل الإنسان بالتغطية، فإن قيل: فهل كانوا يسألون غير [1] البقرة: 196. [2] قال الإمام الموفّق رحمه الله في (المغني) 3/ 477: فإن اختلط موتى المسلمين بموتى المشركين، فلم يميزوا، صلّى على جميعهم بنية المسلمين. قال أحمد: ويجعلهم بينه وبين القبلة، ثم يصلي عليهم وإلا فلا، لأن الاعتبار بالأكثر، بدليل أن دار المسلمين الظاهر فيها الإسلام، لكثرة المسلمين بها، وعكسها دار الحرب، لكثرة من بها من الكفار. ولنا، أنه أمكن الصلاة على المسلمين من غير ضرر، فوجب، كما لو كانوا أكثر، ولأنه إذا جاز أن يقصد بصلاته ودعائه الأكثر، جاز قصد الأقل وإن وجد ميت، فلم يعلم أمسلم هو أم كافر، نظر إلى العلامات من الختان، والثياب والخضاب، فإن لم يكن عليه علامة، وكان في دار الإسلام، غسّل وصلّي عليه، وإن كان في دار الكفر، لم يغسّل، ولم يصلّ عليه. نصّ عليه أحمد، لأن الأصل أنّ من كان في دار فهو من أهلها، يثبت له حكمهم ما لم يقم على خلافه دليل.
اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 245