اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 224
الْأَمْرُ
«1» ، وإنما جاز مثل هذا، لزوال اللبس فيه، كما بينا في قوله تعالى: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ [2] .
وروي عن ابن مسعود، وابن عباس: أنهم قالوا لنبيهم: إن كنت صادقاً فأتنا بآية تدل على أنه ملك، فقال لهم ذلك. وقال وهب: خيّرهم، أي آية يريدون؟ فقالوا: أن يردَّ علينا التابوت. قال ابن عباس:
كان التابوت من عود الشمشار عليه صفائح الذهب، وكان يكون مع الأنبياء إذا حضروا قتالاً، قدموه بين أيديهم يستنصرون به، وفيه السكينة. وقال وهب بن منبه: كان نحواً من ثلاث أذرع في ذراعين. قال مقاتل: فلما تفرقت بنو إسرائيل، وعصوا الأنبياء، سلط الله عليهم عدوهم، فغلبوهم عليه.
وفي السكينة سبعة أقوال [3] : أحدها: أنها ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان، رواه أبو الأحوص عن عليّ رضي الله عنه. والثاني: أنها دابة بمقدار الهرّ، لها عينان لهما شعاع، وكانوا إذا التقى الجمعان، أخرجت يدها، ونظرت إليهم، فيهزم الجيش من الرعب. رواه الضحاك عن ابن عباس.
وقال مجاهد: السكينة لها رأس كرأس الهرّة وذنب كذنب الهرّة، وجناحان. والثالث: أنها طست من ذهب تغسل فيه قلوب الأنبياء، رواه أبو مالك عن ابن عباس. والرابع: أنها روح من الله تعالى تتكلّم، كانوا إذا اختلفوا في شيء، كلّمهم وأخبرهم ببيان ما يريدون، رواه عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه. والخامس: أن السكينة ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها، رواه ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح، وذهب إلى نحوه الزجاج، فقال: السكينة: من السكون، فمعناه: فيه ما تسكنون إليه إذا أتاكم.
والسادس: أن السّكينة معناها هاهنا: الوقار، رواه معمر عن قتادة. والسابع: أن السكينة: الرحمة، قاله الربيع بن أنس.
وفي البقية تسعة أقوال: أحدها: أنها رضاض [4] الألواح التي تكسرت حين ألقاها موسى وعصاه، قاله ابن عباس، وقتادة، والسدي. والثاني: أنها رضاض الألواح، قاله عكرمة، ولم يذكر العصا.
وقيل: إنما اتخذ موسى التابوت ليجمع رضاض الألواح فيه. والثالث: أنها عصا موسى، والسكينة، قاله وهب. والرابع: عصا موسى، وعصا هارون، وثيابهما، ولوحان من التوراة، والمنُّ، قاله أبو
(1) محمد: 21. [.....] [2] البقرة: 16. [3] قال الإمام الشوكاني رحمه الله في «فتح القدير» 1/ 306 بعد أن ذكر هذه الأقوال: هذه التفاسير المتناقضة لعلها وصلت إلى هؤلاء الأعلام من جهة اليهود أقمأهم الله، فجاؤوا بهذه الأمور لقصد التلاعب بالمسلمين رضي الله عنهم والتشكيك عليهم، وانظر إلى جعلهم لها تارة حيوانا وتارة جمادا وتارة شيئا لا يعقل، كقول مجاهد:
كهيئة الريح لها وجه كوجه الهرّ، وجناحان وذنب مثل ذنب الهر. وهكذا كل منقول عن بني إسرائيل يتناقض ويشتمل على ما لا يعقل في الغالب، ولا يصح أن يكون مثل هذه التفاسير المتناقضة مرويا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا رأيا رآه قائله، فهم أجلّ قدرا في التفسير بالرأي وبما لا مجال للاجتهاد فيه. إذا تقرر لك هذا عرفت أن الواجب الرجوع في مثل ذلك إلى معنى السكينة لغة وهو معروف ولا حاجة إلى ركوب هذه الأمور المتعسفة المتناقضة، فقد جعل الله عنها سعة، ولو ثبت لنا في السكينة تفسير عن النبي صلّى الله عليه وسلّم لوجب علينا المصير إليه والقول به، ولكنه لم يثبت من وجه صحيح بل ثبت أنها تنزلت على بعض الصحابة عند تلاوة القرآن كما في صحيح مسلم عن البراء، قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منها: فلما أصبح أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له فقال: «تلك السكينة نزلت للقرآن» . [4] في «اللسان» رضاض الشيء: فتاته وكل شيء كسّرته فقد رضرضته.
اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 224