اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 139
[سورة البقرة (2) : آية 180]
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)
قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ. قال الزجاج: المعنى: وكتب عليكم، إلا أن الكلام إذا طال استغنى عن العطف بالواو. وعلم أن معناه معنى الواو، وليس المراد: كتب عليكم أن يوصي أحدكم عند الموت، لأنه في شغل حينئذ، وإنما المعنى: كتب عليكم أن توصوا وأنتم قادرون على الوصية، فيقول الرجل: إذا أنا متُّ، فلفلان كذا، فأما الخير هاهنا فهو المال في قول الجماعة. وفي مقدار المال الذي تقع هذه الوصية فيه ستة أقوال: أحدها: أنه ألف درهم فصاعداً، روي عن علي، وقتادة. والثاني: أنه سبعمائة درهم فما فوقها، رواه طاوس عن ابن عباس. والثالث:
ستون ديناراً فما فوقها، رواه عكرمة عن ابن عباس. والرابع: أنه المال الكثير الفاضل عن نفقة العيال.
قالت عائشة لرجل سألها: إني أُريد الوصية، فقالت: كم مالك؟ قال: ثلاثة آلاف، قالت: كم عيالك؟
قال: أربعة. قالت: هذا شيء يسير، فدعه لعيالك. والخامس: أنه من ألف درهم إلى خمسمائة، قاله إبراهيم النخعي. والسادس: أنه القليل والكثير، رواه معمر عن الزهري. فأما المعروف فهو الذي لا حيف فيه.
فصل: وهل كانت الوصية ندباً أو واجبة؟ فيه قولان: أحدهما: أنها كانت ندباً. والثاني: أنها كانت فرضاً، وهو أصح، لقوله تعالى: كُتِبَ، ومعناه: فرض. قال ابن عمر: نسخت هذه الآية بآية الميراث. وقال ابن عباس: نسخها: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ. والعلماء متفقون على نسخ الوصية للوالدين والأقربين الذين يرثون، وهم مختلفون في الأقربين الذين لا يرثون: هل تجب الوصية لهم؟ على قولين، أصحّهما أنها لا تجب لأحد [1] .
[سورة البقرة (2) : آية 181]
فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)
قوله تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ، قال الزجاج: من بدل أمر الوصية بعد سماعه إياها، فانما إثمه على مبدله، لا على الموصي، ولا على الموصى له إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لما قد قاله الموصي عَلِيمٌ بما يفعله الموصى إليه. [1] قال القرطبي رحمه الله 2/ 255: اختلف العلماء في وجوب الوصية على من خلّف مالا، بعد إجماعهم على أنها واجبة على من قبله ودائع وعليه ديون. وأكثر العلماء على أن الوصية غير واجبة على من ليس قبله شيء من ذلك وهو قول مالك والشافعي والثوري موسرا كان الموصي أو فقيرا. وقال الزهري وأبو مجلز: الوصية واجبة على ظاهر القرآن قليلا كان المال أو كثيرا وقال أبو ثور: ليست الوصية واجبة إلا على رجل عليه دين أو عنده مال لقوم فواجب أن يكتب وصيته ويخبر بما عليه. أما من لا دين عليه ولا وديعة عنده فليست بواجبة عليه إلا أن يشاء. قال ابن المنذر: وهذا حسن. واحتج الأولون بما رواه ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» .
اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 139