اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 137
رجلا فنزلت هذه الآية [1] . ومعنى «كتب» : فرض، قاله ابن عباس وغيره. والقصاص: مقابلة الفعل بمثله، مأخوذ من: قصّ الأثر، فإن قيل: كيف يكون القصاص فرضاً والولي مخير بينه وبين العفو؟
فالجواب: أنه فرض على القاتل للولي، لا على الولي.
قوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ، أي: من دم أخيه أي: ترك له القتل، ورضي منه بالدية. ودل قوله: مِنْ أَخِيهِ على أن القاتل لم يخرج عن الإسلام، فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ أي: مطالبته بالمعروف، يأمر آخذ الدية بالمطالبة الجميلة التي لا يرهقه فيها. وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ يأمر المطالب بأن لا يبخس ولا يماطل ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ، قال سعيد بن جبير: كان حكم الله على أهل التوراة أن يقتل قاتل العمد، ولا يعفى عنه، ولا يؤخذ منه دية، فرخَّص الله لأمة محمد، فان شاء وليّ المقتول عمداً قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية.
قوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدى، أي: ظلم، فقتل قاتل صاحبه بعد أخذ الدية فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ، قال قتادة: يقتل ولا تقبل منه الدية.
فصل: ذهب جماعة من المفسرين إلى أن دليل خطاب هذه الآية منسوخ، لأنه لما قال: الْحُرُّ بِالْحُرِّ اقتضى أن لا يقتل العبد بالحر، وكذلك لما قال: وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى اقتضى أن لا يقتل الذكر بالأنثى من جهة دليل الخطاب، وذلك منسوخ بقوله تعالى: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [2] ، وقال شيخنا علي بن عبد الله: وهذا عند الفقهاء ليس بنسخ، لأن الفقهاء يقولون: دليل الخطاب حجّة ما لم يعارضه دليل أقوى منه [3] . [1] أخرجه الطبري 2567 عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مرسلا، وأخرجه عبد الرزاق 163 والطبري 2568 عن معمر عن قتادة. ولم أره عن شيبان عن قتادة، وشيبان هو ابن عبد الرحمن، وهو ممن يروي عن قتادة.
وله شاهد من مرسل الشعبي، أخرجه الطبري 2566، فهذا الشاهد يقوي ما قبله، والله أعلم. [2] المائدة: 45. [3] قال الإمام الموفق رحمه الله في «المغني» : ويقتل الذكر بالأنثى، والأنثى بالذكر، هذا قول عامة أهل العلم، منهم النخعي، والشعبي، والزّهري، وعمر بن عبد العزيز ومالك، وأهل المدينة، والشافعي وإسحاق، وأصحاب الرأي، وغيرهم. وروي عن علي رضي الله عنه، أنه قال: يقتل الرجل بالمرأة، ويعطى أولياؤه نصف الدية. أخرجه سعيد. وروي مثل هذا عن أحمد. وحكي ذلك عن الحسن، وعطاء. وحكي عنهما مثل قول الجماعة. ولعلّ من ذهب إلى القول الثاني يحتجّ بقول عليّ، رضي الله عنه، ولأن عقلها نصف عقله، فإذا قتل بها بقي له بقية، فاستوفيت ممن قتله. ولنا قوله تعالى: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ. وقوله: الْحُرُّ بِالْحُرِّ مع عموم سائر النصوص، وقد ثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أرسل قتل يهوديا رضّ رأس جارية من الأنصار. وروى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والأسنان، وأن الرجل يقتل بالمرأة. وهو كتاب مشهور عند أهل العلم، متلقى بالقبول عندهم، ولأنهما شخصان يحدّ كل واحد منهم بقذف صاحبه، فقتل كل واحد منهما بالآخر، كالرجلين، ولا يجب مع القصاص شيء، لأنه قصاص واجب، فلم يجب معه شيء على المقتص، كسائر القصاص، واختلاف الأبدال لا عبرة به في القصاص بدليل أن الجماعة يقتلون بالواحد، والنصراني يؤخذ بالمجوسي، مع اختلاف دينيهما، ويؤخذ العبد بالعبد، مع اختلاف قيمتهما. ويقتل كل واحد من الرجل والمرأة بالخنثى، ويقتل بهما، لأنه لا يخلو من أن يكون ذكرا أو أنثى. وقال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» 1/ 209- 210: ذهب أبو حنيفة إلى أن الحر يقتل بالعبد لعموم آية المائدة وإليه ذهب الثوري وابن أبي ليلى وداود وهو مروي عن علي وابن مسعود وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وقتادة والحكم. قال البخاري وعلي بن المديني وإبراهيم النخعي والثوري في رواية عنه: ويقتل السيد بعبده لعموم حديث الحسن عن سمرة «من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه ومن خصاه خصيناه» . فقالوا لا يقتل الحر بالعبد لأن العبد سلعة لو قتل خطأ لم يجب فيه دية، وإنما تجب فيه قيمته ولأنه لا يقاد بطرفه ففي النفس بطريق الأولى وذهب الجمهور إلى أن المسلم لا يقتل بالكافر لما ثبت في البخاري عن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقتل مسلم بكافر» ولا يصح حديث ولا تأويل يخالف هذا.
وأما أبو حنيفة فذهب إلى أنه يقتل به لعموم آية المائدة. قال الحسن وعطاء لا يقتل الرجل بالمرأة لهذه الآية وخالفهم الجمهور لآية المائدة ولقوله عليه السّلام: «المسلمون تتكافأ دماؤهم» وقال الليث إذا قتل الرجل امرأته لا يقتل بها خاصة.
اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 137