responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 67
وَمَتَى تَعَارَضَتِ الِاعْتِقَادَاتُ وَالْوُجْدَانَاتُ الْمُؤْلِمَةُ أَوِ الْمُسْتَلَذَّةُ فِي النَّفْسِ رُجِّحَتْ عِنْدَ عَامَّةِ النَّاسِ الثَّانِيَةُ عَلَى الْأُولَى، وَإِنَّمَا يُرَجَّحُ الِاعْتِقَادُ عِنْدَ الْخَوَاصِّ وَهُمْ أَصْحَابُ الدَّيْنِ الْقَوِيِّ وَالْإِيمَانِ الرَّاسِخِ، وَأَصْحَابُ الْحِكْمَةِ وَالْعَزِيمَةِ الْقَوِيَّةِ، وَهَذَا الْأَلَمُ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ قَدْ ذَكَرَهُ أَهْلُ التَّجْرِبَةِ فِي أَشْعَارِهِمْ كَقَوْلِ أَبِي نُوَاسٍ:
وَدَاوِنِي بِالَّتِي كَانَتْ هِيَ الدَّاءُ.
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَكَأْسٍ شَرِبْتُ عَلَى لَذَّةٍ ... وَأُخْرَى تَدَاوَيْتُ مِنْهَا بِهَا.
وَإِنَّنَا نَرَى جَمِيعَ الْمُتَعَلِّمِينَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَدَنِيَّةِ فِي هَذَا الْعَصْرِ وَأَكْثَرَ النَّاسِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي تُنْشَرُ فِيهَا الْجَرَائِدُ وَالْمَجَلَّاتُ الْعِلْمِيَّةُ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْخَمْرَ شَدِيدَةُ الضَّرَرِ فِي الْجِسْمِ وَالْعَقْلِ وَالْمَالِ وَآدَابِ الِاجْتِمَاعِ، وَلَمْ نَرَ هَذَا الِاعْتِقَادَ بَاعِثًا عَلَى التَّوْبَةِ مِنْهَا إِلَّا لِلْأَفْرَادِ مِنْهُمْ، حَتَّى إِنَّ الْأَطِبَّاءَ مِنْهُمْ وَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَضَارِّهِمْ كَثِيرًا مَا يُعَاقِرُونَهَا وَيُدْمِنُونَهَا، وَإِذَا عُذِلُوا فِي ذَلِكَ أَجَابُوا بِلِسَانِ الْحَالِ أَوْ لِسَانِ الْمَقَالِ بِمَا أَجَابَ بِهِ طَبِيبٌ عَذَلَهُ خَطِيبٌ عَلَى أَكْلِهِ طَعَامًا غَلِيظًا كَانَ يَنْهَى عَنْ أَكْلِهِ إِذْ قَالَ: إِنَّ الْعِلْمَ غَيْرُ الْعَمَلِ فَكَمَا أَنَّكَ أَيُّهَا الْخَطِيبُ تَسْرُدُ عَلَى الْمِنْبَرِ خُطْبَةً طَوِيلَةً فِي تَحْرِيمِ الْغِيبَةِ وَالْخَوْضِ فِي الْأَعْرَاضِ ثُمَّ يَكُونُ جُلُّ سَمَرِكَ فِي سَهَرِكَ اغْتِيَابَ النَّاسِ، كَذَلِكَ يَفْعَلُ الطَّبِيبُ فِي نَهْيِهِ عَنِ الشَّيْءِ لَا يَنْتَهِي عَنْهُ إِذَا كَانَ يَسْتَلِذُّهُ وَأَنْكَرْتَ ذَلِكَ عَلَى طَبِيبٍ فَقَالَ: لَأَنْ أَعِيشَ عَشْرَ سِنِينَ مُنَعَّمًا آثَرُ عِنْدِي مِنْ عِشْرِينَ، قُلْتُ: وَهَذَا مَرْدُودٌ عَلَى قَوَاعِدِكُمْ وَتَجَارِبِكُمْ لِأَنَّ السُّكْرَ يُحْدِثُ الْأَمْرَاضَ وَالْأَدْوَاءَ وَقَدْ يَعِيشُ صَاحِبُهَا طَوِيلًا وَصَحَّ قَوْلِي هَذَا فِيهِ.
وَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ اللهِ تَعَالَى بِأَنْ تَكُونَ قُوَّةُ تَأْثِيرِ الدِّينِ عَلَى أَشُدِّهَا وَأَكْمَلِهَا فِي نَشْأَتِهِ الْأُولَى كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (57: 16) وَلِهَذَا تَرَكَ جُمْهُورُ الْمُؤْمِنِينَ الْخَمْرَ فِي عَصْرِ التَّنْزِيلِ وَلَكِنْ بَقِيَ مِنَ الْمُدْمِنِينَ مَنْ لَمْ يَقْوَ عَلَى احْتِمَالِ آلَامِ الْخِمَارِ وَمَا يَعْتَرِي الشَّارِبَ بَعْدَ تَنَبُّهِ الْعَصَبِ بِنَشْوَةِ السُّكْرِ، مِنَ الْفُتُورِ وَالْخُمُودِ الدَّاعِي إِلَى طَلَبِ ذَلِكَ التَّنْبِيهِ، فَكَانَ أَفْرَادٌ مِنْهُمْ يَشْرَبُونَ فَيُجْلَدُونَ وَيُضْرَبُونَ بِالْجَرِيدِ وَكَذَا بِالنِّعَالِ، ثُمَّ يَعُودُونَ رَاضِينَ بِأَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدُّ الَّذِي يُحَدُّونَهُ، أَوِ التَّعْزِيرُ الَّذِي يُعَزَّرُونَهُ، مُطَهِّرًا مِنَ الذَّنْبِ الدِّينِيِّ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، لَا يُبَالُونَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا تَحَمَّلُوا فِي سَبِيلِ الْخَمْرِ مِنْ إِيذَاءٍ وَإِهَانَةٍ.
وَقَدْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُدْمِنِينَ أَبُو مِحْجَنٍ الثَّقَفِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَلَمَّا أَبْلَى فِي وَقْعَةِ الْقَادِسِيَّةِ مَا أَبْلَى، وَكَانَ نَصْرُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى يَدِهِ، وَتَرَكَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِقَامَةَ الْحَدِّ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 67
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست