responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 60
الْكُوفَةِ وَقَدْ خَرَجَ عَلَيْهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَعِيدٍ: أَطْعِمُونِي مَاءً، فَعَابَتْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ ذَلِكَ وَهَجَوْهُ بِهِ، وَحَمَلُوهُ عَلَى شِدَّةِ جَزَعِهِ، وَقِيلَ فِيهِ:
بَلَّ الْمَنَابِرَ مِنْ خَوْفٍ وَمِنْ وَهَلٍ ... وَاسْتَطْعَمَ الْمَاءَ لَمَّا جَدَّ فِي الْهَرَبِ
وَأَلْحَنُ النَّاسِ كُلِّ النَّاسِ قَاطِبَةً ... وَكَانَ يُولَعُ بِالتَّشْدِيقِ فِي الْخُطَبِ
لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا عِيبَ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْ جَزَعٍ، فكَانَ مَظِنَّةَ الْوَهْمِ وَعَدَمَ قَصْدِ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ، وَإِلَّا فَوَقَعَ مَثَلُهُ فِي كَلَامِهِمْ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشَكَّ فِيهِ: اه.
أَقُولُ: أَمَّا الْحَدِيثُ فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ عَلَى تَشْبِيهِ مَائِهَا بِالْغِذَاءِ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَأَمَّا كَلَامُ خَالِدٍ فَهُوَ لَحْنٌ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَذِيقُونِي طَعْمَ الْمَاءِ مُبَالَغَةً فِي طَلَبِ الْقَلِيلِ مِنْهُ أَوْ إِرَادَةِ تَرْطِيبِ اللِّسَانِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ يُجَفِّفُ
الرِّيقَ، لَا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي كَلَامِ الْفُصَحَاءِ إِلَّا بِهَذَا الْمَعْنَى، فَإِذَنْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ " طَعِمَ " فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى الشُّرْبِ مُطْلَقًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفِيدَ هَذَا الْمَعْنَى إِلَّا بِالتَّبَعِ لِمَعْنَى الْأَكْلِ تَغْلِيبًا لَهُ، فَيُجْعَلَ " طَعِمُوا " هُنَا بِمَعْنَى أَكَلُوا الْمَيْسِرَ وَشَرِبُوا الْخَمْرَ، كَتَغْلِيبِ الْأَكْلِ فِي كُلِّ اسْتِعْمَالٍ فِي مِثْلِ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا هُدِيَ إِلَى هَذَا الْإِيضَاحِ بِهَذَا التَّدْقِيقِ.
وَالْجُنَاحُ مَا فِيهِ مَشَقَّةٌ أَوْ مُؤَاخَذَةٌ، أَنْشَدَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ:
وَلَاقَيْتُ مِنْ جُمْلٍ وَأَسْبَابِ حُبِّهَا ... جُنَاحَ الَّذِي لَاقَيْتُ مَنْ تِرْبِهَا قَبْلُ.
وَقَالَ ابْنُ حِلِّزَةَ:
أَعَلَينَا جُنَاحُ كِندَةَ أَنْ يَغْـ ... نَمَ غَازِيهُمُ وَمِنَّا الْجَزَاءُ
وَيُفَسِّرُونَهُ غَالِبًا بِالْإِثْمِ وَهُوَ مَا فِيهِ الضَّرَرُ، وَالضَّرَرُ يَكُونُ دِينِيًّا وَدُنْيَوِيًّا، وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي حَيِّزِ النَّفْيِ بِمَعْنَى رَفْعِ الْحَرَجِ وَالْمُؤَاخَذَةِ.
وَمَعْنَى الْآيِ عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) مِنَ الْأَحْيَاءِ وَالْمَيِّتِينَ وَالشَّاهِدِينَ وَالْغَائِبِينَ (جُنَاحٌ) إِثْمٌ وَلَا مُؤَاخَذَةٌ (فِيمَا طَعِمُوا) أَكَلُوا مِنَ الْمَيْسِرِ أَوْ شَرِبُوا مِنَ الْخَمْرِ فِيمَا مَضَى قَبْلَ تَحْرِيمِهَا وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا ثُمَّ حُرِّمَ (إِذَا مَا اتَّقَوْا) أَيْ إِذَا هُمُ اتَّقَوْا فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ وَمِنْهُ الْإِسْرَافُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مِنَ الْمُبَاحِ (وَآمَنُوا) بِمَا كَانَ قَدْ نَزَّلَهُ اللهُ تَعَالَى (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) الَّتِي كَانَتْ قَدْ شُرِعَتْ، كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْجِهَادِ (ثُمَّ اتَّقَوْا) مَا حَرَّمَهُ اللهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْعِلْمِ بِهِ (وَآمَنُوا) بِمَا نَزَلَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ كَمَا قَالَ: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ) (9: 124، 125)

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 60
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست