responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 560
جَاءَتْ؟ وَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: مَاذَا يَكُونُ مِنْهُمْ؟ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ قَائِلًا: أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ (لَا تُؤْمِنُونَ) الْخِطَابُ لِلْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ كَسَابِقِهِ الْتِفَاتٌ وَتَلْوِينٌ.
(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) هَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: (لَا يُؤْمِنُونَ) وَبَيَانٌ لِسُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي عَدَمِ إِيمَانِهِمْ بِرُؤْيَةِ الْآيَةِ. أَيْ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَيْضًا أَنَّنَا نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ عِنْدَ مَجِيءِ الْآيَةِ بِالْخَوَاطِرِ وَالتَّأْوِيلَاتِ وَالتَّفَكُّرِ فِي اسْتِنْبَاطِ الِاحْتِمَالَاتِ وَأَبْصَارَهُمْ فِي تَوَهُّمِ التَّخَيُّلَاتِ. كَشَأْنِهِمْ فِي عَدَمِ إِيمَانِهِمْ بِمَا جَاءَهُمْ
أَوَّلَ مَرَّةٍ مِنَ الْآيَاتِ، وَقِيلَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) (15: 14: 15) فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُقْنِعْهُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنَ الْآيَاتِ الْعَقْلِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ، لَا يُقْنِعُهُ مَا يَرَاهُ بِعَيْنِهِ مِنَ الْآيَاتِ الْحِسِّيَّةِ، بَلْ يَدَّعِي أَنَّ عَيْنَيْهِ خُدِعَتَا أَوْ أُصِيبَتَا بِآفَةٍ فَهِيَ لَا تَرَى إِلَّا صُوَرًا خَيَالِيَّةً، أَوْ أَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ السِّحْرِ الصِّنَاعِيَّةِ، وَهَلْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ، فِي مُكَابَرَةِ آيَاتِ مَنْ بُعِثَ فِيهِمْ مِنَ الْمُرْسَلِينَ؟
(وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) الْعَمَهُ: التَّرَدُّدُ فِي الْأَمْرِ مِنَ الْحَيْرَةِ فِيهِ، أَيْ وَنَدَعُهُمْ فِي تَجَاوُزِهِمُ الْحُدُودَ فِي الْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ، الْمُشَابِهِ لِطُغْيَانِ الْمَاءِ فِي الطُّوفَانِ، الَّذِي رَسَخُوا فِيهِ فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ مِنْ سُنَّتِنَا فِي تَقْلِيبِ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ، يَتَرَدَّدُونَ مُتَحَيِّرِينَ فِيمَا سَمِعُوا وَرَأَوْا مِنَ الْآيَاتِ، هَلْ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ، أَمِ السَّحَرُ الَّذِي يَخْدَعُ النَّاظِرِينَ؟ وَهَلِ الْأَرْجَحُ اتِّبَاعُ الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ، أَمِ الْمُكَابَرَةُ لَهُ وَالْجِدَالُ فِيهِ كِبْرًا وَأَنَفَةً مِنَ الْخُضُوعِ لِمَنْ يَرَوْنَهُ دُونَهُمْ؟ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ رُسُوخَهُمْ فِي الطُّغْيَانِ الَّذِي هُوَ مُنْتَهَى الْإِسْرَافِ فِي الْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ، وَهُوَ سَبَبُ تَقْلِيبِ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ وَإِنَّمَا إِسْنَادُهُ إِلَى الْخَالِقِ لَهَا لِبَيَانِ سُنَّتِهِ الْحَكِيمَةِ فِيهَا. كَغَيْرِهِ مِنْ رَبْطِ الْمُسَبَّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا، وَإِنَّمَا يُخْطِئُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ هَذَا الْأَمْرَ الْوَاقِعَ لِعَدَمِ التَّأَمُّلِ فِيهِ، وَتَوَهَّمَ أَنَّ جَمِيعَ مَا يُسْنَدُ إِلَيْهِ تَعَالَى فَهُوَ مِنَ الْخَلْقِ الْمُسْتَقِلِّ دُونَ نِظَامٍ لِلْمَقَادِيرِ، وَهَى نَزْعَةٌ قَدَرِيَّةٌ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِمُ " الْأَمْرُ أُنُفٌ " أَوْ لَا نِظَامَ فِيهِ وَلَا قَدَرَ، يَتْبَعُهُمْ خُصُومُهُمْ فِيهَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَيُوقِعُهُمُ التَّعَصُّبُ لِلْمَذَاهِبِ فِي أَظْهَرِ التَّنَاقُضِ وَهُمْ غَافِلُونَ، فَنَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يُثَبِّتَ أَفْئِدَتَنَا وَأَبْصَارَنَا عَلَى الْحَقِّ، وَيَحْفَظَنَا مِنَ الطُّغْيَانِ وَالْعَمَهِ فِي كُلِّ أَمْرٍ، وَيَجْعَلَنَا مِمَّنْ أَبْصَرَ بِمَا جَاءَهُ مِنَ الْبَصَائِرِ، وَيُصْلِحَ لَنَا السَّرَائِرَ وَالظَّوَاهِرَ، اللهُمَّ آمِينَ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 560
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست