responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 542
مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ لَهُ جِنْسٌ فَيَكُونَ لَهُ مِنْهُ زَوْجٌ وَلِذَلِكَ قَالَ: (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ) أَيْ كَيْفَ يَكُونُ لَهُ - وَهُوَ الْمُبْدِعُ لِكُلِّ شَيْءٍ - وَلَدٌ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَوْجٌ يَنْشَأُ الْوَلَدُ مِنِ ازْدِوَاجِهِ بِهَا، وَلَا مَعْنَى لِلْوَلَدِ إِلَّا مَا كَانَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا صُدُورُ جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ عَنْهُ صُدُورُ إِيجَادٍ إِبْدَاعِيٍّ لِلْأُصُولِ الْأُولَى، وَإِيجَادٍ سَبَبِيٍّ كَالْوَالِدِ بَيْنَهَا بِحَسَبِ سُنَنِهِ فِي التَّوَالِي، وَلِذَلِكَ قَالَ: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) خَلْقًا وَلَمْ يَلِدْهُ وِلَادَةً، فَمَا خَرَقْتُمْ لَهُ مِنَ الْوَلَدِ مَخْلُوقٌ لَهُ لَا مَوْلُودٌ مِنْهُ، فَإِنْ خَرَجْتُمْ عَنْ وَضْعِ اللُّغَاتِ وَسَمَّيْتُمْ صُدُورَ الْمَخْلُوقَاتِ عَنْهُ وِلَادَةً فَكُلُّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَكُونُ مِنْ وَلَدِهِ، وَحِينَئِذٍ يَفُوتُكُمْ مَا أَرَدْتُمْ مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ بِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ تَفْضِيلًا لَهَا عَلَى غَيْرِهَا، وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِهَذَا، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ مُقَرِّرَةٌ لِإِنْكَارِ نَفْيِ الْوَلَدِ، أَوْ حَالٍ بَعْدَ حَالٍ، وَاسْتِدْلَالٍ بَعْدَ اسْتِدْلَالٍ، وَمَثَلُهَا قَوْلُهُ: (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وَبَيَانُهُ أَنَّ عِلْمَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ ذَاتِيٌّ لَهُ، وَلَا يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءٍ (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) 67: 14 وَلَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ لَكَانَ هُوَ أَعْلَمَ بِهِ وَلَهَيَّأَ الْعُقُولَ إِلَيْهِ بِآيَاتِ الْوَحْيِ وَدَلَائِلِ الْعِلْمِ، وَلَكِنَّهُ كَذَّبَ الَّذِينَ خَرَقُوهُ لَهُ - بِغَيْرِ عِلْمٍ - بِالْوَحْيِ الْمُؤَيَّدِ بِدَلَائِلَ الْعَقْلِ، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَفِي الْآيَةِ اسْتِدْلَالٌ عَلَى نَفْيِ الْوَلَدِ مِنْ وُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ مِنْ مُبْدَعَاتِهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَهِيَ مَعَ أَنَّهَا مِنْ جِنْسٍ مَا يُوصَفُ بِالْوِلَادَةِ مُبَرَّأَةٌ عَنْهَا لِاسْتِمْرَارِهَا وَطُولِ مُدَّتِهَا، فَهُوَ
أَوْلَى بِأَنْ يَتَعَالَى عَنْهَا، (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمَعْقُولَ مِنَ الْوَلَدِ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مُتَجَانِسَيْنِ، وَاللهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ مِنَ التَّجَانُسِ، (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْوَلَدَ كُفْءٌ لِلْوَالِدِ، وَلَا كُفْءَ لَهُ لِوَجْهَيْنِ، الْأَوَّلُ: أَنَّ كُلَّ مَا عَدَاهُ مَخْلُوقُهُ فَلَا يُكَافِئُهُ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لِذَاتِهِ عَالِمٌ بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُهُ بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
(ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ) الْخُطَّابُ لِلْمُشْرِكِينَ الْمَحْجُوجِينَ أَوْ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْأَشْيَاءِ، وَإِحَاطَةُ الْعِلْمِ بِالْجَلِيَّاتِ وَالْخَفِيَّاتِ مِنَ الْمَشْهُودَاتِ وَالْغَائِبَاتِ، أَيْ ذَلِكَ الَّذِي شَأْنُهُ مَا ذَكَرَ هُوَ اللهُ رَبُّكُمْ لَا مَنْ خَرَقُوا لَهُ مِنَ الْأَوْلَادِ، وَأَشْرَكُوا بِهِ مِنَ الْأَنْدَادِ، فَاعْبُدُوهُ إِذًا وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِنَّمَا الْإِلَهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ هُوَ الرَّبُّ الْخَالِقُ وَمَا عَدَاهُ مَخْلُوقٌ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْبُدَ خَالِقَهُ، فَكَيْفَ يَعْبُدُهُ وَيُؤَلِّهُهُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ؟ (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أَيْ وَهُوَ مَعَ كُلِّ مَا ذَكَرَ مَوْكُولٌ إِلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَيُدَبِّرُهُ بِعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، يُقَالُ: فُلَانٌ وَكَيْلٌ عَلَى عَقَارِ فُلَانٍ وَمَالِهِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْوَكِيلَ هُنَا بِمَعْنَى الرَّقِيبِ، وَفِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِ:

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 542
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست