responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 536
كَمَا شَاهَدْنَا ذَلِكَ وَاخْتَبَرْنَاهُ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الرُّمَّانِ الْحُلْوُ مَعَ الْحَامِضِ، وَهَذَا مِنْ دِقَّةِ تَعْبِيرِ التَّنْزِيلِ فِي تَحْدِيدِ الْحَقَائِقِ.
(انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ) أَيِ انْظُرُوا نَظَرَ تَأَمُّلٍ وَاعْتِبَارٍ إِلَى ثَمَرِ مَا ذُكِرَ إِذَا هُوَ تَلَبَّسَ وَاتَّصَفَ بِالْإِثْمَارِ، وَإِلَى يَنْعِهِ عِنْدَمَا يَيْنَعُ، أَيْ يَبْدُوَا صَلَاحُهُ وَيَنْضَجُ، وَتَأَمَّلُوا صِفَاتِهِ فِي كُلٍّ مِنَ الْحَالَيْنِ وَمَا بَيْنَهُمَا، يَظْهَرُ لَكُمْ مِنْ لُطْفِ اللهِ وَتَدْبِيرِهِ، وَحِكْمَتِهِ فِي تَقْدِيرِهِ، مَا يَدُلُّ أَوْضَحَ الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُوبِ تَوْحِيدِهِ (إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أَيْ فِي ذَلِكُمُ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ، وَالنَّظَرُ فِيهِ دَلَائِلُ عَظِيمَةٌ أَوْ كَثِيرَةٌ لِلْمُسْتَعِدِّينَ لِلِاسْتِدْلَالِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْفِعْلِ وَالْمُسْتَعِدِّينَ لِلْإِيمَانِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَإِنَّ نَظَرَهُمْ كَنَظَرِ الطِّفْلِ وَإِنْ كَانُوا مِنَ الْعَالِمِينَ بِأَسْرَارِ عَالَمِ النَّبَاتِ، وَالْغَوَّاصِينَ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْمَحَاسِنِ وَالنِّظَامِ، لَا يَتَجَاوَزُ هَذِهِ الظَّوَاهِرَ، وَلَا يَعْبُرُهَا إِلَى مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ وُجُودِ الْخَالِقِ، وَمِنْ إِثْبَاتِ صِفَاتِهِ الَّتِي تَتَجَلَّى فِيهَا، وَوَحْدَتِهِ الَّتِي يَنْتَهِي النِّظَامُ إِلَيْهَا، وَإِنْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ وَحْدَةَ النِّظَامِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ، لَا يُمْكِنُ أَنْ تَصْدُرَ عَنْ إِرَادَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ.
وَمِنْ مَبَاحِثِ الْبَلَاغَةِ فِي الْآيَاتِ، وَاخْتِلَافِ الْإِعْرَابِ وَالتَّرْتِيبِ بَيْنَ الْمُتَنَاسِبَاتِ، أَنَّ هَذَا السِّيَاقَ بُدِئَ بِفَلْقِ الْحَبِّ وَالنَّوَى وَإِخْرَاجِ الْحَيِّ مِنَ الْمَيِّتِ وَعَكْسِهِ. وَقَفَّى عَلَيْهِ بِمَا يُنَاسِبُهُ مِنْ فَلْقِ الْإِصْبَاحِ، وَعَطَفَ عَلَى هَذَا مَا يُقَابِلُهُ مِنْ مُعَاقَبَةِ اللَّيْلِ لِلنَّهَارِ، وَأُشِيرَ إِلَى فَوَائِدِهِمَا وَفَوَائِدِ النَّيِّرَيْنِ، اللَّذَيْنِ هُمَا آيَتَا هَذَيْنِ الْمَلَوَيْنِ، وَنَاسَبَ ذِكْرُ النَّيِّرَيْنِ التَّذْكِيرَ بِخَلْقِ النُّجُومِ، وَالْمِنَّةِ بِالِاهْتِدَاءِ بِهَا وَالْإِيمَاءِ إِلَى مَا فِيهَا مِنْ آيَاتِ الْعُلُومِ، ثُمَّ عُطِفَ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْآيَاتِ إِنْشَاؤُنَا مِنْ نَفْسِ وَاحِدَةٍ فَمِنْهَا الْمُسْتَقَرُّ
وَالْمُسْتَوْدَعُ، وَقَفَّى عَلَيْهِ بِإِنْزَالِ الْمَاءِ، وَجَعَلَهُ سَبَبًا لِنَبَاتِ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْيَاءِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنَ السِّيَاقِ: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) وَقَدْ لَوَّنَ فِي تَفْصِيلِ خَلْقِ النَّبَاتِ الْخِطَابَ، وَتَفَنَّنَ فِي طُرُقِ الْإِعْرَابِ ; لِلتَّنْبِيهِ إِلَى مَا فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَلْوَانِ، وَتَشَابُهِ مَا فِيهِ مِنَ الثِّمَارِ وَالْأَفْنَانِ، فَبُدِئَتِ الْآيَةُ بِضَمِيرِ الْوَاحِدِ الْغَائِبِ الْمُفْرَدِ تَبَعًا لِسِيَاقِ مَا قَبْلَهَا مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ، وَعَطَفَ عَلَيْهِ ضَمِيرَ الْمُتَكَلِّمِ الْجَمْعِيَّ بِطَرِيقِ الِالْتِفَاتِ. إِذْ قَالَ: (فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) فَحِكْمَةُ الِالْتِفَاتِ أَنْ تَلْتَفِتَ الْأَذْهَانُ إِلَى مَا يَعْقُبُ ذَلِكَ مِنَ الْبَيَانِ، فَتَتَنَبَّهْ إِلَى أَنَّ هَذَا الْإِخْرَاجَ الْبَدِيعَ، وَالصُّنْعَ السَّنِيعَ، مِنْ فِعْلِ الْحَكِيمِ الْخَلَّاقِ، لَا مِنْ فَلَتَاتِ الْمُصَادَفَةِ وَالِاتِّفَاقِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَاءُ وَاحِدًا وَالنَّبَاتُ جَمْعًا كَثِيرًا نَاسَبَ إِفْرَادَ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ وَجَمْعَ الْفِعْلِ الْآخِرِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَاحِدَ إِذَا قَالَ فَعَلْنَا أَرَادَ إِفَادَةَ تَعْظِيمِ نَفْسِهِ إِذَا كَانَ مَقَامُهُ أَهْلًا لِذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الْمَلِكُ أَوِ الْأَمِيرُ - حَتَّى فِي هَذَا الْعَصْرِ - فِي أَوَّلِ مَا يُصْدِرُهُ مِنْ نَحْوِ نِظَامٍ أَوْ قَانُونٍ " أَمَرْنَا بِمَا هُوَ آتٍ " وَنُكْتَةُ الْعُدُولِ عَنِ الْمَاضِي

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 536
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست