responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 507
مَجْمُوعَهَا يُؤَيِّدُ الْحَدَثَ الْمُصَرِّحَ بِنُبُوَّةِ آدَمَ، وَإِلَّا كَانَ مِنَ الْهِدَايَةِ وَالتَّعْلِيمِ الْإِلَهِيِّ مَا هُوَ أَعْلَى مِنَ النُّبُوَّةِ أَوْ مَا هُوَ مُسَاوٍ لَهَا، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يُؤْتَ مِنْ ذَلِكَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ آدَمُ. وَالْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ الْبَشَرِ بِالْإِجْمَاعِ.
فَبِهَذَا التَّفْصِيلِ يُعْلَمُ وَجْهُ مَا اشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْقَوْلِ بِنُبُوَّةِ آدَمَ وَرِسَالَتِهِ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ النَّصِّ الْقَاطِعِ، بَلْ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ الْمُعَارِضِ، فَإِنَّ هِدَايَتَهُ لِذَرِّيَّتِهِ مِنْ نَوْعِ هِدَايَةِ الرُّسُلِ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا مِنْ مَعْنَى الْآيَاتِ فِيهِ ; وَلِذَلِكَ جَعَلَهُ الْحَافِظُ مِنْ قَبِيلِ الضَّرُورِيِّ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الضَّرُورَةِ، وَلَمْ يَهْتَدِ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعَارِضِ لَهُ. وَالَّذِي يَتَّجِهُ فِي الْجَمْعِ بِغَيْرِ تَكَلُّفِ هُوَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ هِدَايَةِ مَنْ وُلِدُوا
عَلَى الْفِطْرَةِ وَبَيْنَ بَعْثَةِ نُوحٍ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الرُّسُلِ إِلَى مَنْ فَسَدَتْ فِطْرَتُهُمْ وَاخْتَلَفُوا فِي الدِّينِ الْفِطْرِيِّ وَفِي الْكِتَابِ الْإِلَهِيِّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالضَّالِّينَ مِنْ أَتْبَاعِ نَبِيٍّ سَابِقٍ فَأَعْرَضُوا عَمَّا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، بِأَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ الْهِدَايَةُ الْأَخِيرَةُ هِيَ الرِّسَالَةُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي يُسَمَّى مَنْ جَاءُوا بِهَا رُسُلًا دُونَ الْأُولَى، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ عِدَّةِ أَجْوِبَةٍ مِمَّا نُقِلُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ فِي رَفْعِ التَّعَارُضِ بِتَوْضِيحٍ قَلِيلٍ كَقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا كَانَتْ رِسَالَةُ آدَمَ إِلَى بَنِيهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرِسَالَةِ نُوحٍ وَمَنْ بَعْدَهُ إِلَى الْكَافِرِينَ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّمَا كَانَتْ رِسَالَةُ آدَمَ إِلَى بَنِيهِ مِنْ قَبِيلِ تَرْبِيَةِ الْوَالِدِ لِأَوْلَادِهِ. وَفِيهِمَا أَنَّ تَسْمِيَتَهَا رِسَالَةً شَرْعِيَّةً بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنَ الْآيَاتِ هُوَ الَّذِي يُحَقِّقُ التَّعَارُضَ فَكَيْفَ يُجْعَلُ دَافِعًا لَهُ؟ وَأَمَّا إِذَا أَثْبَتْنَا بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنَ الْآيَاتِ هُوَ الَّذِي يُحَقِّقُ التَّعَارُضَ فَكَيْفَ يُجْعَلُ دَافِعًا لَهُ؟ وَأَمَّا إِذَا أَثْبَتْنَا مَا ذُكِرَ لِآدَمَ وَلَمْ نُسَمِّهِ رِسَالَةً بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ التَّعَارُضَ يَنْدَفِعُ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ كَمَا قُلْنَا وَتَصِحُّ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا وَيَكُونُ الْخِلَافُ أَشْبَهَ بِاللَّفْظِيِّ، فَهُوَ رَسُولٌ بِالْمَعْنَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ دُونَ الْمَعْنَى الْمُتَبَادِرِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ.
ثُمَّ خَتَمَ اللهُ تَعَالَى هَذَا السِّيَاقَ بِقَوْلِهِ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا) أَيْ قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِمَنْ بُعِثْتَ إِلَيْهِمْ أَوَّلًا: لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى هَذَا الْقُرْآنِ الَّذِي أُمِرْتُ أَنْ أَدْعُوَكُمْ إِلَيْهِ وَأُذَكِّرَكُمْ بِهِ أَوْ عَلَى التَّبْلِيغِ (وَكُلَاهُمَا) مَفْهُومٌ مِنَ السِّيَاقِ وَإِنْ لَمْ يُذْكُرَا، وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ، أَجْرًا مَنْ مَالَ وَلَا غَيْرِهِ مِنَ الْمَنَافِعِ، أَيْ كَمَا أَنَّ جَمِيعَ مَنْ قَبْلِي مِنَ الرُّسُلِ لَمْ يَسْأَلُوا أَقْوَامَهُمْ أَجْرًا عَلَى التَّبْلِيغِ وَالْهُدَى - وَذَلِكَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي قِصَصِهِمْ مِنْ سُورَةِ هُودٍ وَسُورَةِ الشُّعَرَاءِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ هَذَا مِمَّا أَمَرَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِمْ فِيهِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ مَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى بِهِ اسْتِقْلَالًا لَا يَدْخُلُ فِيمَا أُمِرَ بِفِعْلِهِ اقْتِدَاءً كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا الْأَمْرُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عِدَّةِ سُوَرٍ، وَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) 42: 23 مُنْقَطِعٌ وَمَعْنَاهُ عَلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِلَّا أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ، وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ جَرِيرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْهُ قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 507
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست