responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 505
وَقَدْ فُسِّرَ الْمُعَلَّمُ فِي كُتُبِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ بِالْمُلْهَمِ لِلْخَيْرِ وَالصَّوَابِ، وَرُوِيَ " نَبِيٌّ مُكَلَّمٌ " وَالتَّكْلِيمُ أَنْوَاعٌ أُصُولُهَا ثَلَاثَةٌ بَيَّنَهَا اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) 42: 51 وَمِنْهَا وَحْيُ الرِّسَالَةِ وَمَا دُونَهُ، وَمِنْهَا الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ كَمَا وَرَدَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ، وَأَمَّا حُجَّتُهُ مِنَ الْقُرْآنِ فَيُمْكِنُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْ قِصَّةِ خَلْقِهِ وَمَعْصِيَتِهِ وَتَوْبَتِهِ، إِذْ فِيهَا أَنَّ اللهَ عَلَّمَهُ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا، وَأَنَّهُ تَلَقَّى مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَاهُ، وَلَكِنَّ دَلَالَةَ مَا ذُكِرَ عَلَى نُبُوَّتِهِ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ فَإِنَّ الْجُمْهُورَ لَا يَجْعَلُونَ كُلَّ وَحْيٍ نُبُوَّةً، لَا مَا كَانَ بِخِطَابِ الْمَلَكِ وَلَا مَا كَانَ بِالْإِبْهَامِ وَالنَّفْثِ فِي الرَّوْعِ ; وَلِذَلِكَ لَا يَقُولُونَ بِنُبُوَّةِ مَرْيَمَ وَأُمِّ مُوسَى، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ بِنُبُوَّتِهِمَا. ثُمَّ إِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خِطَابُ آدَمَ فِي قِصَّةِ خَلْقِهِ مِنْ خِطَابِ التَّكْوِينِ لَا التَّكْلِيفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) 41: 11 وَقَدْ قَالَ الشَّاذِلِيُّ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ " وَهَبْ لَنَا التَّلَقِّي مِنْكَ كَتَلَقِّي آدَمَ مِنْكَ الْكَلِمَاتِ لِيَكُونَ قُدْوَةً لِوَلَدِهِ فِي التَّوْبَةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ " وَلَوْ كَانَ هَذَا التَّلَقِّي نَصًّا قَطْعِيًّا فِي نُبُوَّتِهِ لَمَا طَلَبَهُ هَذَا الْعَالَمُ الْعَارِفُ بِاللُّغَةِ وَأَسَالِيبِهَا.
وَقَدِ ادَّعَى الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّ دَلِيلَ رِسَالَتِهِ أَنَّنَا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَأَنَّ أَوْلَادَهُ أَخَذُوا ذَلِكَ عَنْهُ، فَعَلَى هَذَا فَهُوَ رَسُولٌ إِلَيْهِمْ فَيَكُونُ هُوَ أَوَّلَ رَسُولٍ، وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ أَخْذَ أَوْلَادِهِ عَنْهُ لَا يَقْتَضِي عَقْلًا أَنْ يَكُونَ اللهُ قَدْ بَعَثَهُ رَسُولًا إِلَيْهِمْ يُبَلِّغُهُمْ عَنْهُ وُجُوبَ الْإِيمَانِ بِهَذِهِ الرِّسَالَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْإِنْذَارِ وَالتَّبْشِيرِ، حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ مُعَارِضًا لِحَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ رَبَّاهُمْ مِنَ الصِّغَرِ عَلَى مَا هَدَاهُ اللهُ إِلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَنَزِيدُ عَلَيْهِ أَنَّ فِي الْقُرْآنِ نَصًّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمُ الْعِبَادَةَ وَأَحْكَامَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَمَا يَتَرَتَّبُ
عَلَيْهِمَا مِنَ الْجَزَاءِ، وَهُوَ نَبَأُ ابْنَيْ آدَمَ الْمُفَصَّلُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ فَمِنَ الْعِبَادَةِ فِيهِ تَقْرِيبُ الْقُرْبَانِ، وَمِنْ خَبَرِ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ قَوْلُ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ لِلْمُعْتَدِي: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ) 5: 29 وَمِنَ الْعَجِيبِ أَنْ يَغْفُلَ أُولَئِكَ الْحُفَّاظُ عَنْ هَذِهِ الْآيَاتِ، وَيَكْتَفُوا مِنَ النَّقْلِ بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الْمَوْضُوعِ أَوِ الضَّعِيفِ وَبِدَعْوَى الضَّرُورَةِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي ادَّعَاهَا الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ، هَذَا إِنْ كَانُوا يَفْهَمُونَ مِنْهَا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى رِسَالَةِ آدَمَ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً، وَإِذَا كَانُوا لَا يَفْهَمُونَ ذَلِكَ فَبِمَ يَسْتَدِلُّونَ؟ .
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ الثَّابِتَ قَطْعًا فِي الْمَسْأَلَةِ هُوَ أَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ عَلَى هُدًى مِنَ اللهِ يَعْمَلُ بِهِ وَيُرَبِّي عَلَيْهِ أَوْلَادَهُ، وَأَنَّهُ مِنْهُ عِبَادَاتٌ وَقُرُبَاتٌ يُرَغِّبُ فِيهَا مُبَشِّرًا بِأَنَّ فَاعِلَهَا يُثَابُ عَلَيْهَا، وَمُحَرَّمَاتٌ يَنْهَى عَنْهَا مُنْذِرًا بِأَنَّ فَاعِلَهَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا، وَهَذَا الْهِدَايَةُ هِيَ مِنْ جِنْسِ هِدَايَةِ اللهِ لِلنَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ الَّتِي بَلَّغُوهَا أَقْوَامَهُمْ، وَلَا نَدْرِي كَيْفَ هَدَى اللهُ تَعَالَى آدَمَ إِلَيْهَا فَإِنَّ طُرُقَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 505
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست