responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 497
لِأَنَّ اللهَ أَمَرَهُ بِاتِّبَاعِهَا - ذَلِكَ بِأَنَّ الرَّسُولَ لَا يَتْبَعُ فِي الدِّينِ إِلَّا مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِمَّا فَسَّرْنَا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ رَسُولِهِ بِأَمْرِهِ (إِنْ أَتَبِّعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) 6: 50 وَمِثْلُهُ فِي أَوَاخِرَ سُورَةِ الْأَعْرَافِ (7: 203) وَقَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا) 45: 18 الْآيَةَ. وَمُوَافَقَةُ رَسُولٍ لِمَنْ قَبْلَهُ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَبَعْضِ فُرُوعِهِ لَا يُسَمَّى اقْتِدَاءً وَلَا تَأَسِّيًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّأَسِّي بِهِ فِي طَرِيقَتِهِ الَّتِي سَلَكَهَا فِي الدَّعْوَةِ إِلَى الدِّينِ وَإِقَامَتِهِ. وَمِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) 60: 4 الْآيَةَ - فَإِنَّهُ تَعَالَى أَرْشَدَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى التَّأَسِّي بِإِبْرَاهِيمَ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ وَجَعَلَهُمْ قُدْوَةً لَهُمْ فِي سِيرَتِهِمُ الْعَمَلِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ مِنْ هَدْيِ اللهِ تَعَالَى لَهُمْ، وَهِيَ الْبَرَاءَةُ مِنْ مَعْبُودَاتِ قَوْمِهِمْ وَمِنْهُمْ مَا دَامُوا عَابِدِينَ لَهَا.
وَلَمَّا كَانَ وَعْدُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْهُدَى، بَلْ كَانَ مَسْأَلَةً شَاذَّةً لَهَا سَبَبٌ خَاصٌّ اسْتَثْنَاهَا تَعَالَى مِنَ التَّأَسِّي بِهِ فَقَالَ: (إِلَّا قَوْلَ
إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) إِلَخْ.
فَمَعْنَى الْجُمْلَةِ عَلَى هَذَا: أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءُ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ ذُكِرَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي الْآيَاتِ الْمَتْلُوَّةِ آنِفًا، وَالْمَوْصُوفُونَ فِي الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ بِإِيتَاءِ اللهِ إِيَّاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ، هُمُ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ تَعَالَى الْهِدَايَةَ الْكَامِلَةَ، فَبِهُدَاهُمْ دُونَ مَا يُغَايِرُهُ وَيُخَالِفُهُ مِنْ أَعْمَالِ غَيْرِهِمْ وَهَفَوَاتِ بَعْضِهِمُ اقْتَدِ أَيُّهَا الرَّسُولُ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ كَسْبُكَ وَعَمَلُكَ مِمَّا بُعِثْتَ بِهِ مِنْ تَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ وَالصَّبْرِ عَلَى التَّكْذِيبِ وَالْجُحُودِ، وَإِيذَاءِ أَهْلِ الْعِنَادِ وَالْجُمُودِ، وَمُقَلِّدَةِ الْآبَاءِ وَالْجُدُودِ وَإِعْطَاءِ كُلِّ حَالٍ حَقِّهَا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَأَحَاسِنِ الْأَعْمَالِ، كَالصَّبْرِ وَالشُّكْرِ، وَالشَّجَاعَةِ وَالْحِلْمِ، وَالْإِيثَارِ وَالزُّهْدِ، وَالسَّخَاءِ، وَالْبَذْلِ، وَالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ، إِلَخْ. (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) 11: 120 (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ) 6: 34 (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أَوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ 46: 35) فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى لَهُ فِي آخِرِ سُورَةِ " ن " (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ 68: 48) - وَصَاحِبُ الْحُوتِ هُوَ يُونُسُ أَحَدُ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ - فَالنَّهْيُ فِيهِ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَصْرُ بِتَقْدِيمِ " فَبِهُدَاهُمْ " عَلَى " اقْتَدِهْ " كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْهُدَى الَّذِي هَدَى اللهُ يُونُسَ إِلَيْهِ، بَلْ هَفْوَةٌ عَاقَبَهُ اللهُ عَلَيْهَا ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِ، وَلَا يَحُطُّ هَذَا مِنْ قَدْرِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلِإِزَالَةِ تَوَهُّمِ ذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى " وَقَالَ: " لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى " أَيْ فِي

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 497
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست