responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 476
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إِشَارَاتُ الصُّوفِيَّةِ فِي الْآيَاتِ) .
أَوْرَدَ نِظَامُ الدِّينِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ فِي تَأْوِيلَاتِ تَفْسِيرِهِ عِبَارَتَيْنِ فِي الْآيَاتِ، قَالَ فِي الْأُولَى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ رَأَى نُورَ الرُّشْدِ فِي صُورَةِ الْكَوْكَبِ، وَنُورَ الرُّبُوبِيَّةِ فِي صُورَةِ الْقَمَرِ، وَنُورَ الْهِدَايَةِ فِي صُورَةِ الشَّمْسِ، وَسَبَّكَ ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ شِعْرِيَّةٍ مُتَكَلِّفَةٍ. وَأَمَّا الْعِبَارَةُ الثَّانِيَةُ فَزَعَمَ أَنَّهَا دَارَتْ فِي خَلَدِهِ، وَمَا هِيَ إِلَّا مَا نَقَلَهُ الرَّازِيُّ (الَّذِي لَخَّصَ هُوَ تَفْسِيرَهُ وَزَادَ عَلَيْهِ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ) عَنِ الْغَزَالِيِّ - وَذَكَرْنَاهُ آنِفًا - إِلَّا أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ فَجَعَلَهُ أَقْرَبَ إِلَى التَّصَوُّفِ. وَقَدْ نَقَلَ الْأَلُوسِيُّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ الْأَخِيرَةَ عَنِ النَّيْسَابُورِيِّ فِي إِشَارَاتِهِ، وَذَكَرَ قَبْلَهَا إِشَارَةً جَعَلَ فِيهَا الْكَوَاكِبَ إِشَارَةً إِلَى النَّفْسِ الَّتِي هِيَ الرُّوحُ الْحَيَوَانِيَّةُ، وَالْقَمَرَ إِشَارَةً إِلَى الْقَلْبِ، وَالشَّمْسَ إِشَارَةً إِلَى الرُّوحِ، وَأَنَّهَا أَفَلَتْ بَعْدَ تَجَلِّيهَا بِتَجَلِّي أَنْوَارِ الْحَقِّ، وَهُوَ أَقَلُّ تَكَلُّفًا مِمَّا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا مِثْلَهُ.
وَأَمْثَلُ مَا قِيلَ فِي بَابِ الْإِشَارَةِ مَا شَرَحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي بَحْثِ فِرَقِ الْمَغْرُورِينَ مِنَ الصُّوفِيَّةِ فِي كِتَابِ الْغُرُورُ مِنَ الْإِحْيَاءِ، فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الَّذِينَ اغْتَرُّوا بِأَوَّلِ مَا انْفَتَحَ لَهُمْ مِنْ أَبْوَابِ الْمَعْرِفَةِ وَمَا شَمُّوا مِنْ رَائِحَتِهَا فَوَقَفُوا عِنْدَهُ، قَالَ:
(وَفِرْقَةٌ أُخْرَى) جَاوَزُوا هَؤُلَاءِ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى مَا يَفِيضُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَنْوَارِ فِي الطَّرِيقِ، وَلَا إِلَى مَا تَيَسَّرَ لَهُمْ مِنَ الْعَطَايَا الْجَزِيلَةِ، وَلَمْ يُعَرِّجُوا عَلَى الْفَرَحِ بِهَا وَالِالْتِفَاتِ إِلَيْهَا، جَادِّينَ فِي السَّيْرِ حَتَّى قَارَبُوا فَوَصَلُوا إِلَى حَدِّ الْقُرْبَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، فَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ وَصَلُوا إِلَى اللهِ فَوَقَفُوا وَغَلِطُوا ; فَإِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى سَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ، لَا يَصِلُ السَّالِكُ إِلَى حِجَابٍ مِنْ تِلْكَ الْحُجُبِ فِي الطَّرِيقِ إِلَّا يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ. وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِذْ قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْهُ: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي) (6: 76) وَلَيْسَ الْمَعْنِيُّ بِهِ هَذِهِ الْأَجْسَامَ الْمُضِيئَةَ ; فَإِنَّهُ كَانَ يَرَاهَا فِي الصِّغَرِ وَيَعْلَمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ آلِهَةً، وَهِيَ كَثِيرَةٌ وَلَيْسَتْ وَاحِدًا، وَالْجُهَّالُ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْكَوْكَبَ لَيْسَ بِإِلَهٍ، فَمِثْلُ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَغُرُّهُ الْكَوْكَبُ الَّذِي لَا يَغُرُّ السَّوَادَيَّةَ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ نُورٌ مِنَ الْأَنْوَارِ الَّتِي هِيَ مِنْ حُجُبِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهِيَ عَلَى طَرِيقِ السَّالِكِينَ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الْوُصُولُ إِلَى اللهِ تَعَالَى إِلَّا بِالْوُصُولِ إِلَى هَذِهِ الْحُجُبِ، وَهِيَ حُجُبٌ مِنْ نُورٍ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ، وَأَصْغَرُ النَّيِّرَاتِ الْكَوْكَبُ، فَاسْتُعِيرَ لَهُ لَفْظُهُ، وَأَعْظَمُهَا الشَّمْسُ، وَبَيْنَهُمَا رُتْبَةُ الْقَمَرِ، فَلَمْ يَزَلْ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا رَأَى مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ حَيْثُ قَالَ اللهُ تَعَالَى:

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 476
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست