responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 469
ضَوْؤُهَا الْمَشْرِقُ وَذَهَبَ سُلْطَانُهَا، وَكَانَتِ الْوَحْشَةُ بِذَلِكَ أَشَدَّ مِنَ الْوَحْشَةِ بِاحْتِجَابِ الْكَوْكَبِ وَالْقَمَرِ - صَرَّحَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالنَّتِيجَةِ الْمُرَادَةِ مِنْ ذَلِكَ التَّعْرِيضِ، فَتَبَرَّأَ مِنْ شِرْكِ قَوْمِهِ الَّذِي أَظْهَرَ مُجَارَاتَهُمْ عَلَيْهِ فِي لَيْلَتِهِ وَيَوْمِهِ. وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشَّيْءِ: التَّفَصِّي مِنْهُ وَالتَّنَحِّي عَنْهُ لِاسْتِقْبَاحِهِ، فَهُوَ كَالْبُرْءِ مِنَ الْمَرَضِ، وَهُوَ السَّلَامَةُ مِنْ أَلَمِهِ وَضَرَرِهِ، وَ " مَا " مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ، أَيْ: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ شِرْكِكُمْ بِاللهِ تَعَالَى أَوْ مِنْ هَذِهِ الْمَعْبُودَاتِ الَّتِي جَعَلْتُمُوهَا أَرْبَابًا وَآلِهَةً مَعَ اللهِ تَعَالَى. فَيَشْمَلُ الْكَوَاكِبَ، وَالْأَصْنَامَ، وَكُلَّ مَا عَبَدُوهُ وَهُوَ كَثِيرٌ.
(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) تَبَرَّأَ مِنْ شِرْكِهِمْ وَقَفَّى عَلَى تِلْكَ الْبَرَاءَةِ بِبَيَانِ عَقِيدَتِهِ الْحَقُّ، وَهِيَ التَّوْحِيدُ الْخَالِصُ، فَقَالَ: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ وَقَصْدِيَ، وَجَعَلْتُ تَوَجُّهِي فِي عِبَادَتِي لِلرَّبِّ الْخَالِقِ الَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، أَيِ: ابْتَدَأَ خَلْقَهُمَا بِمَا فَتَقَ مِنْ رَتْقِ مَادَّتِهِمَا وَهِيَ دُخَانٌ، وَأَكْمَلَ خَلْقَهُنَّ أَطْوَارًا فِي سِتَّةِ أَزْمَانٍ، فَهُوَ خَالِقُ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ النَّيِّرَاتِ، وَخَالِقُكُمْ وَمَا تَصْنَعُونَ مِنْهُ هَذِهِ الْأَصْنَامَ مِنْ مَعْدِنٍ وَنَبَاتٍ، وَتَوْجِيهُ الْوَجْهِ هُنَا بِمَعْنَى إِسْلَامِهِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) (40: 125) وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) (31: 22) الْآيَةَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْأُولَى أَنَّ إِسْلَامَ الْوَجْهِ لَهُ تَعَالَى عِبَارَةٌ عَنْ تَوَجُّهِ الْقَلْبِ، فَإِنَّ الْوَجْهَ أَعْظَمُ مَظْهَرٍ لِمَا فِي النَّفْسِ مِنَ الْإِقْبَالِ، وَالْإِعْرَاضِ، وَالْخُشُوعِ، وَالسُّرُورِ، وَالْكَآبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِإِسْلَامِهِ وَبِتَوْجِيهِهِ لِلَّهِ تَعَالَى: تَرْكُهُ لَهُ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ وَحْدَهُ فِي طَلَبِ حَاجَتِهِ، وَإِخْلَاصِ عُبُودِيَّتِهِ، فَهُوَ وَحْدُهُ الرَّبُّ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ، الْقَادِرُ عَلَى الْأَجْرِ وَالْإِثَابَةِ. وَمِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْوَجْهِ بِمَعْنَى الْقَلْبِ حَدِيثُ " لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ " وَفِي رِوَايَةٍ " قُلُوبِكُمْ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ. وَ " وَجَّهَ " يَتَعَدَّى بِاللَّامِ وَإِلَى كَأَسْلَمَ، وَتَقَدَّمَ شَاهِدُ " أَسْلَمَ " آنِفًا، وَلَمْ يَتَكَرَّرْ " وَجْهٌ " فِي الْقُرْآنِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَاللَّامُ هُنَا بِمَعْنَى " إِلَى " كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) (99: 5) وَقَوْلُهُ: (لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ) (6: 28) وَاخْتَرَعَ الرَّازِيُّ لِلَّامِ هُنَا نُكْتَةً سَمَّاهَا دَقِيقَةً، فَقَالَ: الْمَعْنَى أَنَّ تَوْجِيهَ وَجْهِ الْقَلْبِ لَيْسَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَالٍ عَنِ الْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ، بَلْ إِلَى خِدْمَتِهِ وَطَاعَتِهِ لِأَجْلِ عُبُودِيَّتِهِ إِلَخْ. فَجَعَلَ اللَّامَ " دَلِيلًا ظَاهِرًا " عَلَى كَوْنِ الْمَعْبُودِ مُتَعَالِيًا عَنِ الْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ. وَهَذَا تَحَكُّمٌ مَرْدُودٌ لَا تَقْبَلُهُ اللُّغَةُ وَلَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ، وَلَا يَتَّفِقُ مَعَ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ فِي مَعْنَى تَوْجِيهِ الْوَجْهِ. أَمَّا إِبَاءُ اللُّغَةِ لَهُ فَلِأَنَّ اللَّامَ لَوْ كَانَتْ لِلتَّعْلِيلِ مَعَ حَذْفِ مُضَافٍ لَكَانَتِ الْآيَةُ خَالِيَةً مِنَ الْمَقْصُودِ مِنْهَا بِالذَّاتِ، وَهُوَ كَوْنُ تَوْجِيهِ الْقَلْبِ بِالْعِبَادَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ; إِذِ التَّعْلِيلُ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ يَصْدُقُ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى غَيْرِهِ تَعَالَى تَوَسُّلًا إِلَيْهِ، كَالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَوْكَبِ وَغَيْرِهِ، لِأَجْلِ خَالِقِهِ لَا لِأَجْلِهِ بِاعْتِقَادِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُقَرِّبُ إِلَيْهِ زُلْفَى، أَوْ يَشْفَعُ عِنْدَهُ. وَأَمَّا الْعَقْلُ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ أَنَّ تَوَجُّهَ الْقَلْب
ِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 469
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست