responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 465
يُؤْخَذُ بِرِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ كَانَ فِي صِغَرِهِ مُشْرِكًا؟ وَهَذَا إِذَا فَرَضْنَا أَنَّ السَّنَدَ إِلَيْهِ صَحِيحٌ! .
وَمِنَ الْعَجِيبِ أَنَّ ابْنَ جَرِيرٍ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ مَعَ تَقْرِيرِهِ الْقَوْلَ الْمُقَابِلَ لَهُ عَلَى
أَحْسَنِ وَجْهٍ، وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْجُمْهُورُ مَعَ أَنَّهُ كَانَ مُنَاظِرًا لِقَوْمِهِ، فَقَالَ مَا قَالَ تَمْهِيدًا لِلْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ، فَحَكَى مَقَالَتَهُمْ أَوَّلًا حِكَايَةً اسْتَدْرَجَهُمْ بِهَا إِلَى سَمَاعِ حُجَّتِهِ عَلَى بُطْلَانِهَا، إِذْ أَوْهَمَهُمْ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُمْ عَلَى زَعْمِهِمْ، ثُمَّ كَرَّ عَلَيْهِ بِالنَّقْضِ، بَانِيًا دَلِيلَهُ عَلَى قَاعِدَةِ الْحِسِّ وَنَظَرِ الْعَقْلِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ أَوْ تَهَكُّمٍ وَاسْتِهْزَاءٍ حُذِفَتْ أَدَاتُهُ، أَيْ: أَهَذَا رَبِّي الَّذِي يَجِبُ عَلَيَّ أَنْ أَعْبُدَهُ؟ وَقِيلَ أَرَادَ: هَذَا رَبِّي بِزَعْمِكُمْ، أَوْ إِنَّكُمْ تَقُولُونَ هَذَا رَبِّي، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَلْتَئِمُ مَعَ مَا يَأْتِي فِي الشَّمْسِ، وَلَا يَقْبَلُهُ الذَّوْقُ.
أَمَّا ابْنُ جَرِيرٍ فَاحْتَجَّ أَوَّلًا بِالرِّوَايَةِ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ حُجَّةً عَلَى دَعْوَى شِرْكِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَوْ فِي الصِّغَرِ عَلَى أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ - وَثَانِيًا بِالْعِبَارَةِ الَّتِي قَالَهَا بَعْدَ أُفُولِ الْقَمَرِ، وَسَتَرَى حُسْنَ تَوْجِيهِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ. وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَاحْتَجُّوا بِحُجَجٍ كَثِيرَةٍ أَطَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ فِي تَعْدَادِهَا، وَفِي أَكْثَرِ مَا أَوْرَدَهُ نَظَرٌ ظَاهِرٌ. وَأَقْوَى حُجَّتِهِمُ السِّيَاقُ مِنْ حَيْثُ تَشْبِيهِ إِرَاءَةِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ هَذَا الْمَلَكُوتَ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ إِبْطَالِ رُبُوبِيَّةِ الْكَوَاكِبِ بِإِرَاءَتِهِ ضَلَالَ أَبِيهِ وَقَوْمِهِ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَمِنْ إِسْنَادِ هَذِهِ الْإِرَاءَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى الدَّالِّ عَلَى تَمْيِيزِ مَا رَأَى بِهَا عَلَى مَا كَانَ يَرَى قَبْلَهَا، وَمِنْ تَعْلِيلِ الْإِرَاءَةِ بِمَا تَقَدَّمَ، وَمِنَ التَّعْقِيبِ عَلَى ذَلِكَ بِمُحَاجَّةِ قَوْمِهِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّهُ آتَاهُ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ.
(فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) أَيْ فَلَمَّا غَرَبَ هَذَا الْكَوْكَبُ وَاحْتَجَبَ، قَالَ: لَا أُحِبُّ مَنْ يَغِيبُ وَيَحْتَجِبُ، وَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحِبِّهِ الْأُفُقُ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الْحُجُبِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ " الْآفِلِينَ " إِلَى أَنَّ هَذَا الْكَوْكَبَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ جِنْسٍ كُلُّهُ يَغِيبُ وَيَأْفُلُ، وَالْعَاقِلُ السَّلِيمُ الْفِطْرَةِ وَالذَّوْقِ لَا يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ حُبَّ شَيْءٍ يَغِيبُ عَنْهُ وَيُوحِشُهُ فَقْدُ جَمَالِهِ وَكَمَالِهِ، حَتَّى فِي الْحُبِّ الَّذِي هُوَ دُونَ حُبِّ الْعِبَادَةِ، فَإِنْ أَحَبَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِجَاذِبِ الشَّهْوَةِ دُونَ الِاخْتِيَارِ فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يَسْلُوَ عَنْهُ بِنُزُوحِ الدَّارِ وَالِاحْتِجَابِ عَنِ الْأَبْصَارِ، إِلَّا أَنْ يَصِيرَ حُبُّهُ مِنْ هَوَسِ الْخَيَالِ، وَفُنُونِ الْجُنُونِ وَالْخَبَالِ، وَأَمَّا حُبُّ الْعِبَادَةِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى الْحُبِّ وَأَكْمَلُهُ - لِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ وَالْعَقْلِ الصَّحِيحِ - فَلَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلرَّبِّ الْحَاضِرِ الْقَرِيبِ، السَّمِيعِ الْبَصِيرِ الرَّقِيبِ، الَّذِي لَا يَغِيبُ وَلَا يَأْفُلُ، وَلَا يَنْسَى وَلَا يَذْهَلُ، الظَّاهِرِ فِي كُلِّ
شَيْءٍ بِآيَاتِهِ وَتَجَلِّيهِ، الْبَاطِنِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحِكْمَتِهِ وَلُطْفِهِ الْخَفِيِّ فِيهِ (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (6: 103) وَلَكِنْ تُشَاهِدُهُ الْبَصَائِرُ بِآثَارِ صِفَاتِهِ فِي الْخَلْقِ وَالتَّقْدِيرِ، وَسُلْطَانِهِ فِي التَّصَرُّفِ وَالتَّدْبِيرِ، وَمَا كَانَ لِيَخْفَى عَلَى الْخَلِيلِ الْأَوَّلِ مَا قَالَهُ الْخَلِيلُ الثَّانِي فِي مَقَامِ الْإِحْسَانِ،

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 465
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست