responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 462
أَحْيَانًا، وَمَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ آزَرَ كَانَ عَمَّ إِبْرَاهِيمَ لَا وَالِدَهُ، فَالصَّوَابُ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالضَّلَالِ الْبَيِّنِ هُنَا بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ بِاللَّفْظِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةً، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى) (93: 7) وَكَقَوْلِكَ لِمَنْ تَرَاهُ مُنْحَرِفًا عَنِ الطَّرِيقِ الْحِسِّيِّ: إِنَّ الطَّرِيقَ مِنْ هُنَا، فَأَنْتَ حَائِدٌ أَوْ ضَالٌّ عَنْهُ، وَمَعْنَى قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ: إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ هَذِهِ الْأَصْنَامَ مِثْلَكَ فِي ضَلَالٍ - عَنْ صِرَاطِ الْحَقِّ الْمُسْتَقِيمِ - بَيِّنٌ ظَاهِرٌ لَا شُبْهَةَ لِلْهُدَى فِيهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَصْنَامَ الَّتِي اتَّخَذْتُمُوهَا آلِهَةً لَكُمْ لَمْ تَكُنْ آلِهَةً فِي أَنْفُسِهَا، بَلْ بِاتِّخَاذِكُمْ وَجَعْلِكُمْ، وَلَسْتُمْ مِنْ خَلْقِهَا وَلَا مِنْ صُنْعِهَا، بَلْ هِيَ مِنْ صُنْعِكُمْ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى نَفْعِكُمْ وَلَا ضَرِّكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تَمَاثِيلُ تَنْحِتُونَهَا مِنَ الْحِجَارَةِ، أَوْ تَقْتَطِعُونَهَا مِنَ الْخَشَبِ، أَوْ تَصُوغُونَهَا مِنَ الْمَعْدِنِ، فَأَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَمُسَاوُونَ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ لِمَنْ جُعِلَتْ مُمَثِّلَةً لَهُمْ مِنَ النَّاسِ، أَوْ لِمَا صُنِعَتْ مُذَكِّرَةً بِهِ مِنَ النَّيِّرَاتِ، وَلَا يَلِيقُ بِالْإِنْسَانِ أَنْ يَعْبُدَ مَا هُوَ دُونَهُ، وَلَا مَا هُوَ مُسَاوٍ لَهُ فِي كَوْنِهِ مَخْلُوقًا مَقْهُورًا بِتَصَرُّفِ الْخَالِقِ، وَمَرْبُوبًا فَقِيرًا مُحْتَاجًا إِلَى الرَّبِّ الْغَنِيِّ الْقَادِرِ، وَقَدْ دَلَّتْ آثَارُ أُولَئِكَ الْقَوْمِ الَّتِي اكْتُشِفَتْ فِي الْعِرَاقِ عَلَى صِحَّةِ مَا عُرِفَ فِي التَّارِيخِ مِنْ عِبَادَتِهِمْ لِلْأَصْنَامِ الْكَثِيرَةِ، حَتَّى كَانَ يَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ صَنَمٌ خَاصٌّ بِهِ، سَوَاءٌ الْمُلُوكُ وَالسُّوقَةُ فِي ذَلِكَ، وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْفَلَكَ وَنَيِّرَاتِهِ عَامَّةً، وَالدَّرَارِيَ السَّبْعَ خَاصَّةً، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
(وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أَيْ وَكَمَا أَرَيْنَا إِبْرَاهِيمَ الْحَقَّ فِي أَمْرِ أَبِيهِ وَقَوْمِهِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى ضَلَالٍ بَيِّنٍ فِي عِبَادَتِهِمْ لِلْأَصْنَامِ، كُنَّا نُرِيهِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي يَعْرِفُ بِهَا الْحَقَّ، فَهِيَ رُؤْيَةٌ بَصَرِيَّةٌ، تَتْبَعُهَا رُؤْيَةُ الْبَصِيرَةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَإِنَّمَا قَالَ: " نُرِيهِ " دُونَ أَرَيْنَاهُ؛ لِاسْتِحْضَارِ صُورَةِ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَتَجَدَّدُ وَتَتَكَرَّرُ بِتَجَدُّدِ رُؤْيَةِ آيَاتِهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ
الْمَلَكُوتِ الْعَظِيمِ كَمَا يُعْلَمُ مِنَ التَّعْلِيلِ الْآتِي، وَالتَّفْصِيلِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى هَذَا الْإِجْمَالِ فِي الْآيَاتِ، وَالْمَلَكُوتُ: الْمَمْلَكَةُ أَوِ الْمُلْكُ الْعَظِيمُ وَالْعِزُّ وَالسُّلْطَانُ، وَإِطْلَاقُ الصُّوفِيَّةِ إِيَّاهُ عَلَى عَالَمِ الْغَيْبِ اصْطِلَاحٌ. قَالَ فِي اللِّسَانِ: وَمُلْكُ اللهِ تَعَالَى وَمَلَكُوتُهُ: سُلْطَانُهُ وَعَظْمَتُهُ، وَلِفُلَانٍ مَلَكُوتُ الْعِرَاقِ، أَيْ عِزُّهُ وَسُلْطَانُهُ وَمُلْكُهُ، وَعَنِ اللِّحْيَانِيِّ: وَالْمَلَكُوتُ مِنَ الْمُلْكِ كَالرَّهَبُوتِ مِنَ الرَّهْبَةِ، وَيُقَالُ لِلْمَلَكُوتِ مَلْكُوَةٌ (كَتَرْقُوَةٍ) . انْتَهَى. وَقَالَ الرَّاغِبُ: وَالْمَلَكُوتُ مُخْتَصٌّ بِمُلْكِ اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ مَصْدَرُ مَلَكَ أُدْخِلَتْ فِيهِ التَّاءُ نَحْوَ رَحَمُوتٍ وَرَهَبُوتٍ. انْتَهَى. وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ هَذِهِ التَّاءَ لِلْمُبَالَغَةِ عَلَى قَاعِدَةِ زِيَادَةِ الْمَبْنَى لِزِيَادَةِ الْمَعْنَى. فَالْمَلَكُوتُ: الْمُلْكُ الْعَظِيمُ، وَالرَّحَمُوتُ: الرَّحْمَةُ الْوَاسِعَةُ، وَالرَّهَبُوتُ: الرَّهْبَةُ الشَّدِيدَةُ.
وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ كَلِمَةَ مَلَكُوتٍ نَبَطِيَّةٌ، وَأَصْلُهَا بِلِسَانِهِمْ " مَلَكُوتَا "، وَفِي كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّ النَّبَطَ وَالْأَنْبَاطَ جِيلٌ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ الْبَطَائِحَ وَغَيْرِهَا مِنْ سَوَادِ الْعِرَاقِ، فَهُمْ بَقَايَا قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ فِي وَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ إِذَا كَانَتْ سِلْسِلَةُ نَسَبِهِمْ مَحْفُوظَةً، وَيَقُولُ الْمُؤَرِّخُونَ: إِنَّهُمْ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 462
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست